الجمعة، 30 مارس 2018

إليها...حمد المسماري

اللوحة للفنان الليبي بشير حمودة

مباركة أنت
ياامرأة فى محراب عينيها
يصلي الأنبياء
يذرفون دموعهم
يوقدون شموعهم
لأجل الحياري والأشقياء

***

قديسة أنت
رغم كل الخطايا
ورغم دماء الضحايا
ورغم بقايا الأماني
ورغم بكاء الأغاني
ورغم شقاء الحياة 

***
ستبقين أنت القبس
يبددُ ظلمة ليلي الطويل
ملاكاً
يمسح دمعة صبية
بكتها علىَ عند الرحيل
تواسين أحزان قلبي
المعذب
بدفء حكايا السنين الخوالي
والذكريات
يامرأة تبارك موتي
فى موكب اللعانات


بنغازي 7 مايو 2002

أحـوال مبكيـة ....حمد المسماري


لكـل أقـام مناحتـه هـذه الأيـام علـى أحـداث غــزة التـي تدمـي القلـب، وتــدفـع المـرء بأن يكفـر بكـل ما هـو عـربـي بـل وإنسـانـي كذلـك ، وتسمـرت أعيـن الملاييـن مـن المواطنيـن العـرب الديـن لا حـول ولا قـوة لهم أمـام الفضائيـات العربيـة ونشـرات الأخبـار فـي قناتــي الجزيـرة والعربيـة اللتيـن بـدتا وكأنهمـا أقـرب للفـرح بهـذه الصـور الداميـة التـي نشاهـدهـا علـى شاشتيهـما، ورفعـت نسبـة المشاهـدة، فمصائـب أبنـاء غـزة عنـد قـوم الفضائيـات فوائـد. واختفـى مناضلو مكبـرات الصـوتوتحليلات الفضائيـات مـن حمـاس، وكتائـب القسـام، وكتائـب الأقصـى، خـوفـاً علـى أرواحهـم بالتأكيـد، فالصواريـخ الإسرائيلية ترصـد كـل شاردة وواردة لهـم ، وعلـى كـل حـال ارتـاح النـاس مـن وجوههـم وأكاذيبهـم التـي وضعـت أبنـاء غـزة الأبريـاء فـي هـذا المـأزق المريع، بعـد أن أطلقـوا آلاف الصـواريـخ علـى المستوطنـات ولـم يقتلـوا يهـودياً واحـداً بعـدد أصابـع اليـد الواحـدة.. ويتسـاءل المـرء مـاذا يطلقـون بالتحـديـد ؟ أهـي صـواريـخ حقيقيـة أم صـواريـخ ألعاب ناريـة ؟ وظهـر السيـد حسـن نصـر الله ابـن آيـات الله البـار فـي طهـران، متناسيـاً الكارثـة التـي أوقـع فيهـا لبنـان عـام 2006م بعـد أن اعترف شخصيـاً أن حـزب الله خـاض تلـك الحـرب بحسابات خاطئة كـانت نتيجتهـا بالطبـع أكثـر مـن 1600 ضحيـة مـن أبنـاء لبنـان الأبريـاء، وتدميـر مـدن وقـرى وبنـى تحتيـة وخسـارة المليـارات ، وبنـى المهرجون انتصـاره بتلك الأيـام علـى مـوت بضعـة جنـود إسرائيليين مقابـل حمامـات الدمـاء الطاهـرة لأطفـال لبنـان.. ظهـر السيـد نصـر الله مستغلاً غضـب العـرب والمسلميـن متهجمـا علـى مصـر وحاثـاً ضباطهـا وجنـودها علـى الثـورة وعصيـان الأوامـر، فـي محـاولـة خبيثـة النـوايـا لتوريـط مصـر فـي حماقـات حمـاس وبقيـة الفصائـل التـي تدعـي المقاومـة والجهـاد، وكـل منجـزها الميـداني علـى أرض الواقـع اعتقـال أبنـاء شعـب غـزة المساكيـن والمتاجـرة بأرواحهـم ، بـل والمتاجـرة حتـى بمدخـرات أموالهـم فـي فضيحـة الحجـاج الفلسطينييـن.

وعلـى العـرب الغاضبيـن بصـدق وحرقـة فـي شـوارع وميـاديـن العواصـم العربيـة بمباركـة حكامهـم حتـى لا تنالهـم غضبتهـم، أن ينبـذوا منطـق العواطـف والمشـاعر، ويفكـروا بروية، فطهـران كمـا نعـرف تملك صـواريـخ يمكنهـا أن تقصـف قلـب تل أبيـب، وبيـت أولمـرت ووزيـرة خارجيتـه الشقـراء الـتـي قالـت ببساطـة للعـرب مـن خـلال الجزيـرة، نحـن انتخبنا المواطـن الإسرائيلي لنوفـر لـه الأمـان مـن حمـاس وعلينـا أن نفعـل، ونصحـت الفلسطينييـن بالابتعاد عـن أماكـن وجودهم ، لكـن لسـوء حـظ الفلسطينـي المسكيـن أن أبطـال حمـاس لا يطيـب لهـم الاختبـاء إلا وسـط صغـاره. ككـل مواطـن عربـي شبـع هـزائـم إلـى درجـة التخمـة، مـا زلـت أنتظـر أن تتحـقق نبـوة عبـد الناصـر منـذ عقـود برميهـم فـي البحـر، ومـا زلـت علـى رأي أحـد المهرجيـن مـن أهـل المغنـى "أكـره إسرائيـل" لكـن بنفـس الوقــت، ازدادت قائمـة الكراهيـة بآلاف الأشيـاء الأخـرى بدايـة مـن الحكـام العـرب وليـس بآخـر مفكريهـم، ومحللـي مصائبهـم بربطـات عنـق باريسيـة علـى الفضائيـات العربيـة، ورافعـي الرايـات الجهـاديـة اليائسـة بالسيـوف فـي وجـه ترسانـة عسكريـة مهولـة، رايات أسلحـة جهـاديـة لـم تقتـل يهـودياً واحـداً حتـى الآن رغـم غرقهـا فـي حمـامـات دمـائنـا، لنـا الله يـا أمـة قـال عنهـا المتنبـي شاعـرهـا الأعظـم عبـر العصـور ذات زمـن "يـا أمة ضحكـت مـن جهلهـا الأمـم".  


* نشر المقال أيضا بصحيفة قورينا - 31 ديسمبر 2008

الأربعاء، 28 مارس 2018

ذكريات الأمس....حمد المسماري

اللوحة للفنان الليبي محمد أبوميس

ذكريات الأمس
فى الأماسي الطيبة
يتناهي ذلك الصوت المنادي
من بعيد..
ماتبينا صداه
أنواح قبرة ؟
أم غناء عندليب؟
كنت تبكين وكنتً أستعيد
ذكريات الأمس
فى تلك الدروب المغبرة
والوجوه المتعبة
وعذابات قلوب الأصدقاء
تركوني راحلين
للأماني، ولأحزان الأغاني
بطاقات البريد
أرقب فى المرفأ
قد تأتي النوارس بخبر
أرقب فى صمتٍ
والعمر يمر

***

كانت الفرحة ملء خافقينا
قبل أن يخدعنا ماء
السراب ..
كانت البسمة تعلو شفتينا
قبل أن نحترف الحزن
وآهات العذاب ..
كان كل الحب فى أيامنا
قبل أن يعصف بالحي
الخراب ..
قبل أن يطوي الثري أحبابنا
وفوق لحد الجدة المتعبة الحلوة ينهال
التراب ..
قبل أن يهجرنا عبر المدي
فتياننا..
لبلاد الثلج والميادين العتيقة والحمائم
والضباب ..

***

يتناهي الصوت ثم
يبتعد..
أنواح قبرة ؟
أم غناء عندليب؟
أم جنون الريح
فى تلك الهضاب..؟



بنغازي 19 فبراير 2003م

هيا بنا نسرق .... حمد المسماري

اللوحة للفنان الليبي عمر جهان

هيا بنا نسرق كل ما يمكن أن تطاله أيدينا من مغارة علي بابا، من كعكة هذه البلاد المزروعة على خارطة العالم تحت اسم ليبيا، غير آبهين لحرمة ذلك اللواء الأخضر المرفرف في سمائها، والذي لم يغرنا يوما لبذل قطرة دم واحدة من أجله.

 هيا بنا نسرق دون أن نشعر بذنب ارتكاب فعل يعد من خطايا السماء عبر كل الديانات والعصور.

 هيا بنا نسرق بعد أن سرقوا منا كل شيء حتى أحلامنا البسيطة البريئة المسالمة، التي حولوها إلى كوابيس مريعة مفزعة.
 هيا بنا نسرق بعد أن فقدنا بسمة الفرح الخجولة في أيامنا، وآخر ما كان في جرابنا من أشياء طيبة، بعد أن تلبدت سماوات الله فوق رؤوسنا بأسراب الغيوم السوداء الموغلة في الخوف والحزن.

 هيا بنا نسرق، ولتكن غنيمتنا كبيرة هذه المرة بحجم سنوات عمرنا الضائع في شوارع الزمن، فسارق الحب مذموم بفعلته، وسارق الحقل لا تدري به البشر. على رأي جبران خليل جبران رحمه الله.

 هيا بنا نسرق فالمجد قد صار للصوص والشطار وعلى ليبيا السلام.

 هيا بنا نسرق دون أن نخشى على معاصم أيدينا حد الله، فقد أوقف ابن الخطاب هذا الحد منذ زمن بعيد، محاذراً ببصيرته الثاقبة ألا تتحول أمة لا إله إلا الله إلى مجرد بلاد من المعوقين.

 هيا بنا نسرق بعد أن تحولنا إلى عمال سخرة أشقياء فوق تراب وطن هائل الإتساع، كنا ذات يوم نعشقه حتى الثمالة.

 أعرف أن دعوتي لكم غريبة، أشبه بدعوتكم لإرتكاب فعل فاضح في الطريق العام، ولكن مهلاً ودعونا ننظر للأمر من زاوية أخرى. فأنت أيها الموظف المكبل بقانون 15 منذ بداية ثمانينات القرن الماضي، وحتى بعد أن جاءتك قرارات الزيادات الموعودة على أشلاء نصف رفاقك، ما تزال تشقى لتجد بصعوبة وأسى لصغارك قوتكم كفاف يومكم، وكبلوا بطاقة مرتبك بعشرات الاستقطاعات والضرائب التي لا يعلم وجهتها سوى الله وحده. ما الذي تنتظره أيها الموظف لاسترجاع ما أخذ منك؟ وليسموا فعلتك هذه ما شاءوا: إختلاس، أو سرقة، فليس ثمة فرق على الإطلاق، ولن يحاسبك أحد .. أطمئن.

 وأنت أيها المدرس الصبور في مدارسنا، والذي عن جدارة يجب أن يزيحوا من كتاب "جينيس" التاريخ، إسم أيوب، ويضعوك مكانه. ما الذي تنتظره لتكفر بكل قيمك النبيلة بعد أن أصبحت إلى جانب رسالتك المقدسة بائع خضار في الفندق البلدي، وربما تخدم على برويطة، وتنقل أسراب الغرباء في أنصاف الليالي بسيارتك المتهالكة؟ ما الذي تنتظره لتسرق مستردًا ما أغتصب من كرامتك وحياتك؟ ولتحاذر أن لا يوقعك سوء طالعك بين أيديهم؟ فهم لا يرحمون البسطاء مثلك في هذا الأمر، وليعذرنا أمير الشعراء شوقي حين نحرف بيته المشهور عنك يا معلمنا ليصبح " قم للمعلم وأعطه منديلاً ".

 وأنت أيها الشاب، يا من وقعت فريسة سهلة للبطالة والمخدرات، والفراغ والملل، وتحولت سنوات حياتك المفترض أن تكون مشرقة إلى كابوس مرعب من الفشل مغلفاً بالحزن، فيما ما تزال روابطك وجمعياتك الشبابية تؤذن في مالطة معددة إنجازات الثورة لشريحتك الشقية، ما الذي تنتظره لارتكاب خطيئة السرقة، فأمل الشعوب على رقي شبابها، وأملنا أصبح في عزرائيل ليريحنا من مسؤولي أماناتنا التاريخيين الذين رأينا نحن البسطاء من عبقرية إدارتهم وقراراتهم نجوم الظهر.

هيا بنا نسرق أيها المواطن فالقانون تحول إلى عرف، وجرائمنا مهما ستكون ستحل في قعدت شيوخ قبائل انتهى زمنهم الافتراضي، يعيدوننا رغم أنوفنا إلى عصور وحكم وأمثال وضعها كل العالم في متاحف التاريخ الطبيعي إلا نحن.

 هيا بنا نسرق ثمن علبة دواء الضغط، بعد أن أصبحت هوية مواطننا بدل البطاقة الشخصية .. هيا بنا نسرق ثمن حقنة أنسولين بعد أن صرنا نشرب الشاي مشروبنا القومي بدون سكر .

 ذات مقال في ستينيات القرن الماضي كتب مفكرنا الراحل الصادق النيهوم ساخراً يدعونا لأكل لحم جيراننا وأحبابنا بعد موتهم، وأخشى أن تتحقق نبوءته بعد أن أصبح الليبيون الغلابة البسطاء لا يعرفون طعم اللحم الوطني إلا كل عيد أضحى .. وبمناسبة عيد الأضحى الغير بعيد موعده أدعو أمنائنا غير الأعزاء في اللجنة الشعبية العامة أن يرأفوا بحالنا ويعيدوا غلطتهم التاريخية في رمضان قبل الماضي، ويتكرموا علينا بعيدية مثلها فلقد غدونا كما حرافيش روايات صاحب نوبل نجيب محفوظ ننتظر فتاتهم، بعد أن خلت جيوبنا تماماً وأثقلنا بالديون من مواسم المدارس ورمضان وعيد الفطر الذي ما نزال من باب العادة ولسخرية القدر نسميه بالسعيد.


نقلا عن موقع: جيل - 19/11/2007
(نشر بزاوية الكاتب بصحيفة قورينا العدد 56)