الثلاثاء، 17 أبريل 2018

أشجان ...حمد المسماري

اللوحة للفنان الليبي  على بركة

أتذكر
كيف في بلدتنا كنا نغني
للشموس الغاربة
للنجوم الشاردة
للوجوه الصابرة
نتسامر كل ليلة عن هوانا
نحتسي الشاي بأكواب أسانا
يالها تلك السنين
عذبتني يا رفاقي
ملأتني بالحنين
لحبيبة ذبنا عشقا في هواها
ويحها لا تتذكر
راكب الأخطار من أجل رضاها
بنغازي 3 يناير 2003

تحزم أيها المواطن *.....حمد المسماري


مع انتهاء أسبوع المرور لهذا العام اجتاح شوارع وطرقات بلادنا ما يمكن تسميته حمى حزام الأمان، وهي ظاهرة حضارية حرص على ترسيخ مفهومها رجال المرور الأنيقيون وسائقو السيارات مع بداية شهر مايو من هذا العام، والجميل أن يشعر المرء أن التزام السائقين ليس ناجماً عن خوف من قيمة المخالفة المرورية بل قناعة بتطبيق هذا القانون المطبق في كل بلاد العالم المتحضرة، ويحسب لرجال المرور وهذه حقيقة بتنا نلمسها بوضوح قدرتهم على كسب ثقتنا مجدداً بأسلوبهم المتحول من الاستفزاز لعباد الله بحديث خشن يخرج أحيانا المواطن عن طوره، إلى أسلوب يراعي تطبيق القانون باحترام وود دون جرح مشاعر الآخرين، واختفت الصورة المخجلة التي كانت تحرجك أحياناً أمام عائلتك وصغارك حين كان يصيح بك على الملأ بعرض الطريق ميكرفون سيارة المرور التي خلفك "خف روحك يا أحمار" أو "درس على اليمين يا ليلى علوي" وما إلى ذلك من عبارات غير لائقة كنا نسمعها ذات زمن ممن يفترض بهم تطبيق القانون.

 ما أود قوله أننا كليبيين قابلون للإقناع عكس ما يشاع عنا من أننا شعب حاصل في روحه لا يعجبه العجب ولا الصيام في رجب، وآمل أن ينجح رجال مرورنا المتميزون بأناقتهم وأدبهم الجم في الفترة الأخيرة بتطبيق بقية قوانينهم بداية بمنع النقال الذي لا يطيب لسائقينا الحديث به إلا اثنا القيادة وكأن وراءهم مشاغل العالم بأسره مع أننا شعب "فاضي" بصورة محزنة، وأنتهاء بالقوانين المتعلقة بحالات السيارات الخردة التي تسير في شوارعنا دون ما ولا كهرباء، ويبقى القول بهمس للإخوة المسؤولين بالمرور في بلادنا ، بضرورة مناقشة إلغاء قانون "الكلاودو" المفروض من قبل الدولة كرسوم سير سياراتنا على طرقات منتهية الصلاحية بعضها ما تزال على حالها من أيام إيطاليا، والغريب أنها أفضل حالاً من الطرق المنجزة حديثاً عن طريق شركاتنا الوطنية التي يا ليتها تتخصص في مجالات أخرى غير الطرق والبناء، فلقد تحولت شوارعنا إلى حفر قد تبتلع المرء وسيارته أيضاً، ولا عزاء لميزانياتنا المنهوبة في قطاع الطرق والمواصلات هذا إن كانت حقيقية فكل ما حولنا أصبح قابلاً للشك. وبعيداً عن المرور ورجاله الذين كان الله في عوننا وعونهم، أرغب أن أتحدث عن أحزمة أخرى بداية من شعاراتنا المجلجلة دون محتوى مثل "اربطوا الأحزمة" فربطناها نحن البسطاء إلى درجة كاد يفترسنا الموت جوعاً من شدة الألم، بينما حدث العكس مع بعض المحظوظين وعانوا من التخمة، أو تلك القرية وما حولها التي أسميناها شعبية الحزام الأخضر وهي مناطق تعاني من شح المياه فما بالك بالاخضرار ، فحول اسمها بعض الظرفاء إلى شعبية "من سيربح المليون" في دلالة على أن كل أمين يتولاها معدماً ويغادرها مليونيراً.. أو فتياتنا المتحزمات بأغانينا الشعبية "تحزيمة تركي" وانتهى بهن المطاف لكساد سوق الزواج نتيجة أوضاعنا الاقتصادية إلى العيش وحيدات وحدة قاتلة إلى حد الجنون، أشبه بوحدة عوانس سيبيريات في انتظار الربيع وفرسان الخيول البيضاء المجنحة. فتحزموا أيها الليبيون وانطلقوا إلى ساحات الرقص على امتداد مدن وقرى خارطة الوطن، وارقصوا كدراويش المولوية حتى تقعوا من الإعياء والتعب، علكم تنسون أوجاعكم، وظلم الزمان وضياع سنوات أعماركم البريئة الشجية، وحين تفيقون ارقصوا مجدداً، وكفاكم ندباً لحظكم العاثر وزماننا المشوه.

 تحزموا أيها الليبيون وارقصوا في حضرة جهلنا وفقرنا وتخلفنا حتى لا تموتوا من الحسرة والأسى، وارحموا أعينكم من شلالات الدموع. تحزموا وهيموا وجداً على إيقاعات بنادير حلقات ذكركم الصوفية في "حضرة" عيساوية كما كان يفعل أجدادكم وآباؤكم حين يستمد بهم الحزن والهم والغم.

 تحزموا أيها الليبيون واختاروا ما شئتم من رقصات تراثية لترقصوا على أنغام موسيقاها، لكن احذروا أن ترقصوا رقصة "الكسكا" التي يوديها الرجال في حلقات ممسكين بالعصي فلا يضمن المرء عدم نهاية الرقصة بمجزرة دموية لو رقصنا الكسكا هذه الأيام. ولنحاول أيضاً أن نبتعد عن رقصة الكشك فأيدينا استهلكت تماما في التصفيق وراء الحجالات، وخطباء مكبرات الصوت المفوهين.


* سبق نشر المقال بموقع ـ"قورينا" 25 مايو 2009م

الأربعاء، 4 أبريل 2018

نشيد...حمد المسماري

اللوحة للفنان الليبي معتوق بوراوي

تمضى السنون ويغيب الدرب
الأحبة
كم قاسية يد المنون
الخوف يأسر خطونا
فنضل نبكي والمساء بلا انتهاء
أما من صباح ..؟
ويد حنون
برفق أم تداوي الجراح
حلمنا أضحي على بوابات
هذا العالم الكبير
تذروه الرياح

***

تمضي السنون
ويودع الميناء شراع
تبكي الصبية بالتياع
ويسكن الدمع الجفون
وتظل تبحث عن طريق
بلا رفيق
ويتوه فى اليم الشراع
مباركا ً هذا الضياع
عبر بحار التيه والغربة
بحثا ً عن سنابل للجياع 

***

تمضي السنون
وتزهر الأحلام فى حقول الصمت
أغنية حزينة
يرددها المغني بخفوت
وقبل المقطع الأخير
تغتال أمنيته الصغيرة
بقسوة يموت 

***

تمضى السنون
ويطول الليل والوحشة
ولاتصحو المدينة
وفى الميناء يجمدنا صقيع الانتظار
أن تأتي السفينة
ليطل فى الأفق النهار
وتلوح فى الفجر الجموع
من غياهب التاريخ آتية
ومن حزن بعيد
تلوح تصدح بالنشيد
ليطل فى الأفق النهار
ويطوي النسيان
قصة المغني والصبية
تتنفس أمنا الأرض
ذكرياتنا المنسية
نستعيد وجوهنا
نستعيد أسماءنا
ويتذكرنا من جديد الإله


طرابلس 5 مارس 1999

ناظم أنشودة الحزن العميق .. محمد الشلطامي وأشعار قديمة جديدة ...


قصائد عن شمس النهار – عاشق من سادوم – قصائد عن الفرحبطاقة معايدة إلى مدن النور – نص مسرحي من طرف واحد .. مجموعات شعرية في طبعات أنيقة، صدرت عن الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع والإعلان، للشاعر الكبير محمد الشلطامي أعادا من خلالها إلي زمن الشعر الجميل، وعانقا مع قصائدها العذبة المليئة بالشجن فضاءات افتقدناها وسط التهريج الشعري لمن يسمون بالحداثيين والتسعينيين وما إلى ذلك من المسميات الفخمة الفارغة المحتوى في ثقافتا المحلية، وقد ذكرتا هذه المجموعات الشعرية بكتاب قديم للكاتب عوض ابريك صدر عن دار الحقيقة في بداية السبعينيات من القرن الماضي بعنوان (العبقرية والجرذان) قارن من خلاله بين أدب الصادق النيهوم ومقلدوه من الفتيان كما أسماهم الكاتب، وقال: "الفتيان يجيدون امتطاء السرج ولكن أين هو الحصان بالله عليك".

وإذ نشكر الدار الجماهيرية للنشر، لاهتمامها بهذا الهرم الشعري المنسي، وتقديم نتاجه ولو كان قديماً، كما سبق لها أن أصدرت له مشكورة مجموعاته السابقة في منتصف التسعينيات على ما أذكر، والتي نفذ جلها من المكتبات بعكس عشرات غيرها يعلوها الغبار ولا يرغب أحد حتى مجرد تصفحها فما بالك اقتناها .. في برهان واضح بأن الليبيين ما زالوا يتذوقون الشعر ويستعذبوه عندما يكتبه شعراء حقيقيون أمثال الشلطامي والفزاني والرقيعي، مع الاعتذار للبقية .. والسؤال المحير هو: أن كل قصائد الشلطامي في هذه الدواوين قد كتبت مذ ربع قرن من الزمان وما تزال تحتفظ بتألقها وإشراقها رغم مضي كل هذه السنوات، مما يطرح سؤالا أجده ملحاً:

هل صمت الشلطامي عن قول الشعر؟
أم أنه كما يقول البعض استنفذ الشعر عنده كل أغراضه كيساري قديم؟

يقول الشاعر في قصيدة بعنوان (أغنية الغضب) من ديوان (عاشق من سادوم):

وأنا أعلم أين
حينما أرفض أن أسجد،
للطين المقيت
خطوة في بيدر اللعنة أمشي
حينما يصبح نعشي
صرخة في وجه سلطان
وبيتاً في قصيدة
أيها الجرح الذي لم يلتئم
أيها الشعب الذي
لا يعرف الرحمة لما ينتقم

أبيات رائعة غاية في العشق والانتماء، ذكرتا بمجموعاته الأولى (تذاكر للجحيم، وأنشودة الحزن العميق) التي كان المثقفون في نهاية الستينيات وبداية السبعينيات من القرن الماضي يحفظون نصوصها عن ظهر قلب، رغم ندرتها ونفاذها واختفائها من الأسواق بمجرد صدورها، وكان الوسط الثقافي العربي حينها يعرف هذا الشاعر جيداً ويقدره حق قدره، وكنا نتباهى به كقمة شعرية في مستوى البياتي ونزار قباني والسياب ودرويش.

يقول الشلطامي في قصيدة بعنوان (رباط العنق)، من ديوان (قصائد عن شمس النهار):

لا تقل بعد أن رمانا،
العشق في الحياة أشباحاً هزيلة
نحن لا نملك أن نختار في دنيا بخيلة
غير شكل الموت ملفوفاً
بأوراق الصحف
وعلى بوابة الجمرك أحلاماً نبيلة

ومن الغريب والمثير للدهشة أنه طوال سنوات عطاء هذا الشاعر الفذ، لم نطالع له في صحافتنا المحلية، ولو مقابلة صحفية واحدة، كما لم يتناول نقادنا الأكارم الذين اعتادوا نقد أي شي وكل شيء شعره إلا فيما ندر، ولعل أبرز ما كتب عنه كانت دراسة بعنوان (صعود) للراحل النيهوم في بداية السبعينيات، كما يلاحظ المتتبع لصحافتا الأدبية طوال فترة الثمانينيات والتسعينيات اختفاء اسم هذا الشاعر من حياتا الفكرية، فقد نساه أو تناساه حتى أولئك المتمركزون في زوايا ثابتة، منذ زمن بعيد يدبجون المقالات لكل مدعي كتابة، في إسهال فكري على الصفحات بشكل يثير الريبة والحزن، والاشمئزاز أحياناً، وكثيراً من علامات الاستفهام بتجاهلهم هذه القامة الشعرية التي لا تخطئها العين، مما ولد اعتقاد لدى البعض أن أغلب نقادنا، والكثيرين من فرسان الزوايا الثابتة لم يسمعوا باسم هذا الشاعر أصلاً، أو يقرأوه ولو بشكل عابر في أسوأ الفروض، فإن كانوا -وجلهم من المخضرمين- لم يقرأوه فتلك مصيبة، وإن لم يسمعوا به فالمصيبة أعظم.

إن موهبة الشلطامي محددة بشكل مذهل إلى درجة الإثارة، يتجلى هذا في صنع كلماته العميقة لأجواء ولحظات الألم والشجن الدافيء، والجراح الآزفة، بحيث تلامس أشعاره القلب مباشرة ودون استئذان، لأنها ببساطة متناهية مكتوبة بحس إنساني راقي لكل الناس.

يقول الشلطامي في قصيدة بعنوان (أبتسم) من ديوان (بطاقة معايدة إلى مدن النور):

وبدا الكون كأن لم يعرفك
وغدت تنكرك الأعين
من رهبتها
وسرى اسمك كالتهمة في
كل مكان
وبدا حارسك الأبله موتورا غبياً
فابتسم للأعين البله فقد صرت نبياً

هذه الأبيات لا تقل عمقاً وأصالة عن ما قاله محمود درويش:

يا دامي العينين والكفين
إن الليل زائل
لا غرفة التوقيف باقيةً
ولا زرد السلاسل

لكن نقادنا الأفاضل -سامحهم الله- لا يؤمون أن لدينا شاعراً في مستوى عمالقة شعراء العربية، وأن الشعر الليبي وصل معه إلى القمة في مرحلة ما، ولم يدركوا بعد أن الأسماء المتداولة في الساحة الشعرية عندنا، والتي ما توقفوا عن تلميعها والتنظير لرموزها، ليس لها ثمة علاقة بالشعر على الإطلاق، وينطبق عليهم المثل الشعبي الشائع " خلوة النجع من سعد ..." فشعراء الساحة الأدبية في ليبيا الآن والمصنفين كشعراء (كبار) ثبت، لا بمقياس التجربة والزمن، أنهم ليسوا كباراً كما يجب، فمواطننا الكريم يحفظ الشعر الجيد فقط، ويحتفي به، وما أقله في بلادنا هذه الأيام، فالشعر ليس كلمات متقاطعة ولوغريتمات لغوية كما يعتقد التسعينيون، والحداثة لا تعني التعقيد بأي شكل من الأشكال، وآن للذين يكتبون أشعاراً لا يقرأها سوى أصدقائهم أن يفكروا قليلاً في ماهية الشعر، وليس مهما أن يفهم الناس نصوصهم الغريبة، المهم هو أن يحسوا بها وهذا ما لم يحدث للأسف.

إن بعض الحقائق يجب أن تصاغ كلماتها عارية دون طلاء من أي نوع، وشاعرنا الكبير محمد الشلطامي حقيقة واضحة كما الشمس في المشهد الشعري الليبي رغم تجاهلها، والشمس لا تخطئها العين المدربة كما قال أحدهم. ورغم معرفتي المسبقة بأن كلماتي هذه ستغضب البعض، كما حدث لي من قبل مع مقال سابق تصدى لي بعد نشره، كتاب الزوايا الثابتة، وأثر بشكل كبير على فرصي بالنشر في صحافتنا المحلية، وصرت من خلاله كاتب غير مرغوب فيه، لمجرد جرأتي علي الاقتراب من أسماء محظور الكتابة عنها إلا بالمديح فقط!.

إن مقالي هذا ليس تعريفاً بشاعرنا الكبير محمد الشلطامي، فالمثقفون الحقيقيون يعرفونه جيداً، ويقدرونه حق قدره، بعيداً عن ما تراه صحافتا الأدبية البائسة. وليس دفاعاً عن شعره، فهو ليس بحاجة لدفاعي أصلاً، بل هو مجرد إلقاء حجر في بحيرة ثقافتا الراكدة مذ زمن بعيد، لعل أحداً ما يتأمل ما يحدثه من دوائر.

ولنستمع ختاما إلى شاعرنا الكبير في اعترافاته إلى السهر وردي المقتول بمناجاة صوفية وصلت درجة الإبهار، في أبيات عميقة وصادقة أعادا من خلالها إلى زمن الشعر الجميل:

افترض أن الذي يمشي على السكين في الليل،
كمن يمشي على الحبل، وأن المعجزة
سقطة في النص، والأشياء لا تحمل إلا سطحها
فلم ينتابك الإحساس بالفقد إذن؟ ولماذا
يستبيح الذعر عينيك، وتنهد من الشوق
إلى من لم تر
بعد؟ أو أن تسمع الضجة في صمت
الجفون المسدلة؟
ولماذا القتله
لاينامون ولكن القتيل
نام في ذاكرة الناس قرير العين؟
فاحذر مرتين
أن ترى الأشياء من أولها
ثم حاذر أن تبوح
بالذي يجعل للأغنية البكماء في الليل لسان
يكسر الصمت ويعطي
لمدى الغارق في الظلمة لون الأقحوان 


7/9/2002