الأحد، 9 يونيو 2019

انتشاء حد الحزن قراءة فى ديوان صلاة العابرين للشاعر الراحل حمد المسمارى ...عزالدين اللواج




قد يكون العنوان الكلى للديوان هو العتبة الاولى التى من خلالها نلج الى تمحيص الديوان والدخول فى عوالمه ((صلاة العابرين )) وهى أيضا العنوان الفرعى للقصيدة الرابعة فى الديوان ستقودنا هذه العتبة الى استيراد طقسى لصلاة المسافرين والعابرين (( صلاة القصر)) والتى وإن بدت متعجلة الاأنها لاتخلو من الخشوع الكلى كأى صلاة سيما وأنه يفتتح صلاته العابرة هذه بإهداء الى ارواح اناس لهم علاقة خاصةفى دخيلة الشاعر (( أمه وأبيه ..ورجالا رائعين مرو بمدينته العجوز ثم رحلت ارواحهم ايضا شعراء وكتاب لهم تأثيرهم الخاص فى تداعيات وتجليات نصوصه الشعرية (( النيهوم والفاخرى والفزانى)).يمر عليهم فى إهدائه ولكن بتلاعب سياقى فى الجمله (( عابرا اتلو صلاتى ))

النص // (( صلاة العابرين )) وهو إيان الاهداء (( عابرا اتلو صلاتى )) واعتقد أن التوظيف هنا جاء ليحمل السياق الذى قصدته وهى أن الديوان ماهو الا مجموعة صلاوات متعجله اوردها الشاعر ابان عبوره ..هذه الصلوات المتعجلة السريعه هى أيضا خاشعه وحزينة مملوءة بالخيبات والدموع والالم إحالة الى واقع الحال لدى الشاعر.
 
كتبت الى الله رساله
أخبرته أننى
منذ ميلادى وأنا أبكى...)) 1))

إن نصوص حمد المسمارى تشكل فى تداخلاتها أنساقا معرفية معينة أو مشاهد داله على أشياء معينة فى عقلية الشاعر وهذه الاشياء لاتتمظهر اعتباطا بل تكمن خلفها طاقات الشاعر المنفعلة والفاعلة بدورها فى اثراء المناخ العام لكل قصيدة والتى تتجمع فى النهاية لتشكل رؤية الشاعر للعالم من خلال ذاته هو مع أحتفاظه (( أى الشاعر)) بقدرته على الانتقاء الواعى لسلطة الجمالى الكامن فى النظم والانساق اللغوية التى شكل من خلالها فضاء مشهديا دالا على مايود البوح به فى صلواته العابرة تلك يتزامن هذا مع قدرة النص الشعرى عند حمد المسمارى على تشكيل مجموعه من الايحاءات المتجهة فى مجملها نحو غايات رمزية متعددة الانتشار والتشعب أعنى ان هذه العلامات تمضى فى خط رأسى عميق نحو مجهول رمزى فاتحة مفازة متعددة التأويلات التى لاتنتهى والتى لانستطيع بوصفنا المتلقى للنص الوقوع على المعنى الذى نلج من خلاله براح ((القصيدة /النص/ الديوان))والفضاءات المعرفية المكونة لكل ذلك.
 
رغم أننا نستشف بأن الواقع وإرهاصاته هو الحالة المسيطرة على قصائد الشاعر والتى شكل هذا الواقع فيها نوع من الهيمنه يصلح أن نجعله مفتاح الولوج الى العوالم الشعرية لهذا الشاعر رغم أن هذه العوالم هى طافحة بالفجيعة والموت والدموع.

لعينيك منذ أدركت وجودى
وشقأى
أحاول كتابة القصيدة
وكلما أبدأها
تخذلنى حروفها العنيدة
لم أكن أعرف أن الشعر
يغدو عميقا عندما يكتب
على شاهد قبر))2))

او فى مقطع آخر..........

فى غرفة الشاعر
الكلمات تموت قبل أن تولد
والشاعر لايعرف كيف تقال
نسترق السمع
لهمس المشاعر المجنونة
تولد القصيدة
فى كلمة واحدة
آهات...))3))

إن قصائد (حمد المسماري) تؤلف في مجملها أنماط تصويرية لاتخلو من الامتلاء حتى حوافها برائحة الموت والفجيعة .
حتى في القصائد التي تبدو مهداه أو موجهة إلى شخص أو موقف معين لاتخلو من مناجاة مملؤة بالدموع والنواح .. تطفح برائحة الفقد والموت المجاني الذي يقدمه الشاعر مجانيا إبان كل قصيده .

في قصيدته (( من أغاني الغجر)) والتي يهديها إلى الشاعر (( محمد الشلطامى )) يقول في إهدائها إليه :- (( مهداه إلى شاعر الحب والموت والحرية..وناظم أناشيد الحزن العميقة )).

أورد هذا الاهداء فى مقدمة قصيدته الأولى فى ديوانه وكأنما هو هنا يوجه إهدائه الى شخص يحاكيه ويقاسمه ((أناشيد الحزن العميقة )).

دلالة تصبغ الديوان وتؤطره على اعتبارها مففتح الكلام ضمن متن لايحيد عنه (( لغة الحزن العميقة/ القاسم المشترك والمتن معا)) يخاطب ((الشلطامى)) فيقول:-

بكيت وحيدا
أختلطت دموعك بالمطر
وأحتواك خوف كل هذه السنين
وصرخات من أحببت
من وجوه ))4))

يخاطب الشلطامى هنا متكىء على هذه الاستيرادات للافعال(( بكيت وحيدا......أختلطت دموعك.......احتواك خوف))
أفعال تتكىء ولاشك على مخزون معرفى يشكل حوصلة الحزن المنبثق فى قصائد الشلطامى وكأنه بهذا يرتهن بأجزاء من من ماضى الشاعر الشلطامى الشعرى لكنه يعود ليخاطب الشلطامى

لن تزهر الزنابق
فهذه القفار ياصديقنا
مرصودة بالموت منذ البدء
وهذه الديار ياصديقنا
قد نسيت اعراسها والمجد ))5))

إنه يؤكد أستمرار الفاجعه الحزينة التى بداءها الشلطامى عبر الاخبار بأفعال الماضى ليأتى ب((لن)) الجازمة ليقرنها بالاستمرارية ليحفل عالمه هو الاخر بما يحفل به عالم الشلطامى العالم المرصود بالموت والدموع.

وفى قصيدة (( الى عبدالوهاب البياتى)) يخاطب البياتى
ياشاعر عشتار وعائشة ولوركا
والعالم السفلى والاسطورة
مازال هذا الشرق
يعانق الخيال والمأساة
بأنتظار الثورة ))6))

ليخاطبه فى نهاية القصيدة مستكملا مشواره الذاتى المعاش مشوار اليأس والقنوط والدموع

أوقد لنا شمعتين
ليأسنا صلى ركعتين ))7))

وحتى إبان النكوص من الذاتى الى الواقع العربى نجد قصائده تحمل السمة الغالبة للديوان استكمالا للتشائم وخيبات الامل..

ياطفل الاحزان
وداعا
وداعا ياضحية الجحود
وداعا ياضحية الوعود
فنحن قتلناك
قبل أن يغتالك اليهود))8))

وتتكر القصائد وتتكرر المرثيات وتكر اسماء القصائد التى تمتلى بهذا التراكميات المندغمة مع الحزن العميق الذى يحمله بأتجاه الواقع العربى المعاش (( كتاب..العشاء الاخير...دون كيشوت عربى...لاتذرفو الدموع ..الخ)).

هذه قصائد حمد المسمارى مجموعة صلوات عابره حزينه لعابر يتيم يغادر المكان فيما لايزال يحمل فى جوانحه حنين للمكان والشخوص والزمن

الهوامش
· ديوان صلاة العابرين للشاعر حمد المسمارى منشورات المؤتمر فبراير 2006
1/ من قصيدة فى الديوان بعنوان ((عن الحزن وأشياء اخرى )) ص24
2/ من قصيدة فى الديوان بعنوان(( الرحيل)) ص50
3/ من قصيدة فى الديوان بعنوان(( فوضى الكلمات ))ص65
4/ من قصيدة فى الديوان بعنوان(( منن أغانى الغجر)) ص7
5/ من قصيدة فى الديوان بعنوان((منن أغانى الغجر)) ص8
6/ من قصيدة فى الديوان بعنوان(( الى عبدالوهاب البياتى))ص9
7/ من قصيدة فى الديوان بعنوان (( الى عبدالوهاب البياتى))ص12
8/ من قصيدة فى الديوان بعنوان ((إلى طفل يموت على شاشات المرئيات ))ص49


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق