الخميس، 17 يوليو 2014

مساميــر: معلمتـي تبكــي *...بقلم: حمد المسماري

  سنوات طويلة جداً من عمر الزمن نذرت فيها المعلمة "....." نفسها وأيام حياتها لرسالة التدريس.. سنوات طويلة تخرج فيها من فصولها العشرات والمئات من أبنائنا وربما منهم من يتقلد أعلى المناصب والمسـؤوليات في أجهزة ومؤسسات الدولة من أطباء ومهندسين... إلخ.. سنوات طويلة وهي تقف أمام السبورات السوداء محتملة امتلاء رئتيها بمسحوق الطبشور وشقاوة الأطفال وعبثهم ومشاكساتهم.. سنوات طويلة وطويلة جداً آمنت فيها معلمتنا أن التعليم رسالة، مصدقة لقول أحمد شوقي "كاد المعلم أن يكون رسولا" فنسيت حالها وأيام شبابها وعاشت فقط لأداء هذه الرسالة المقدسة.. سنوات طويلة وهي تدفع بانتظام رسوم اشتراك نقابتها ويخصم منها كل عام في عيد المعلم عشرون دينار، وعندما كرموها في سنة عملها العشرون أهدوها رداء سي الخامة والصنع لا يتجاوز ثمنه العشرين ديناراً.. سنوات طويلة مترعة بالفرح والحب والحزن والألم والدموع عاشتها معلمتنا وبدأت ذؤابة شمعتها يخفت نورها شيئاً فشيئاً إلى أن أطلت عليها الأشهر الأخيرة من سنوات عمرها الوظيفي، وعطاؤها وصلاتها في محراب التعليم، وأحيلت إلى التقاعد. فماذا حدث ؟ توقعـت أن يقولوا لها كلمة طيبة، ويمنحوها شهادة شكر وتقدير على عطائها وسنوات عمرها المهدورة في الفصول الرطبة، وأفنية المدارس لعقود من الزمن، توقعت أن يدعوها مسؤول ما في أمانة التعليم ببنغازي، ويقول لها كلمة طيبة ومشجعة لما بقي من سنوات العمر، توقعت أن يبذل جهدا لتسوية راتبها التضامني إكراما للمعلم ورسالته.
لكنها صدمت من هذه الأمانة التي صرفتها بلا ذوق برسالة إنهاء خدمة وكأنهم يقولون لها، ومعذرة يا معلمتي لقسوة العبارة "أفتكينا من وجهك"، فرسائل الإحالة إلى التقاعد تحمل عبارات خالية من أي ذوق أو مراعاة للمشاعر، مثل "انتهت مدة خدمتك بتاريخ..."، "سلمي ما بعهدتك" إلخ من عبارات جوفاء يبدو أن من أنشأها وحررها لم يدرس علم اسمه الإدارة، ولم يعايش مشاعر إنسانية في حياته قط.
فمعذرة يا معلمتنا أن لم يحفظ لك مسؤولو تعليم بنغازي الجميل والعرفان، فكل طفل علمته حرفاً يحمل لك في قلبه حباً وعرفانا لصنيعك، وأنت أكبر من أي كلمات مواساة مزيفة لا تحمل معنى إنسانيا.. وثقي أن الحفلة البسيطة التي أقامتها لك زميلاتك بجنيهات قليلة من قوت يومهن وصغارهن أعمق مغـزى من أكاذيب الحفلات الباردة المشاعر لأمانة التعليم.  
حمد المسماري  
* سبق نشر المقال بصحيفة "قورينا" بتاريخ 26 نوفمبر 2008

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق