الثلاثاء، 17 أبريل 2018

تحزم أيها المواطن *.....حمد المسماري


مع انتهاء أسبوع المرور لهذا العام اجتاح شوارع وطرقات بلادنا ما يمكن تسميته حمى حزام الأمان، وهي ظاهرة حضارية حرص على ترسيخ مفهومها رجال المرور الأنيقيون وسائقو السيارات مع بداية شهر مايو من هذا العام، والجميل أن يشعر المرء أن التزام السائقين ليس ناجماً عن خوف من قيمة المخالفة المرورية بل قناعة بتطبيق هذا القانون المطبق في كل بلاد العالم المتحضرة، ويحسب لرجال المرور وهذه حقيقة بتنا نلمسها بوضوح قدرتهم على كسب ثقتنا مجدداً بأسلوبهم المتحول من الاستفزاز لعباد الله بحديث خشن يخرج أحيانا المواطن عن طوره، إلى أسلوب يراعي تطبيق القانون باحترام وود دون جرح مشاعر الآخرين، واختفت الصورة المخجلة التي كانت تحرجك أحياناً أمام عائلتك وصغارك حين كان يصيح بك على الملأ بعرض الطريق ميكرفون سيارة المرور التي خلفك "خف روحك يا أحمار" أو "درس على اليمين يا ليلى علوي" وما إلى ذلك من عبارات غير لائقة كنا نسمعها ذات زمن ممن يفترض بهم تطبيق القانون.

 ما أود قوله أننا كليبيين قابلون للإقناع عكس ما يشاع عنا من أننا شعب حاصل في روحه لا يعجبه العجب ولا الصيام في رجب، وآمل أن ينجح رجال مرورنا المتميزون بأناقتهم وأدبهم الجم في الفترة الأخيرة بتطبيق بقية قوانينهم بداية بمنع النقال الذي لا يطيب لسائقينا الحديث به إلا اثنا القيادة وكأن وراءهم مشاغل العالم بأسره مع أننا شعب "فاضي" بصورة محزنة، وأنتهاء بالقوانين المتعلقة بحالات السيارات الخردة التي تسير في شوارعنا دون ما ولا كهرباء، ويبقى القول بهمس للإخوة المسؤولين بالمرور في بلادنا ، بضرورة مناقشة إلغاء قانون "الكلاودو" المفروض من قبل الدولة كرسوم سير سياراتنا على طرقات منتهية الصلاحية بعضها ما تزال على حالها من أيام إيطاليا، والغريب أنها أفضل حالاً من الطرق المنجزة حديثاً عن طريق شركاتنا الوطنية التي يا ليتها تتخصص في مجالات أخرى غير الطرق والبناء، فلقد تحولت شوارعنا إلى حفر قد تبتلع المرء وسيارته أيضاً، ولا عزاء لميزانياتنا المنهوبة في قطاع الطرق والمواصلات هذا إن كانت حقيقية فكل ما حولنا أصبح قابلاً للشك. وبعيداً عن المرور ورجاله الذين كان الله في عوننا وعونهم، أرغب أن أتحدث عن أحزمة أخرى بداية من شعاراتنا المجلجلة دون محتوى مثل "اربطوا الأحزمة" فربطناها نحن البسطاء إلى درجة كاد يفترسنا الموت جوعاً من شدة الألم، بينما حدث العكس مع بعض المحظوظين وعانوا من التخمة، أو تلك القرية وما حولها التي أسميناها شعبية الحزام الأخضر وهي مناطق تعاني من شح المياه فما بالك بالاخضرار ، فحول اسمها بعض الظرفاء إلى شعبية "من سيربح المليون" في دلالة على أن كل أمين يتولاها معدماً ويغادرها مليونيراً.. أو فتياتنا المتحزمات بأغانينا الشعبية "تحزيمة تركي" وانتهى بهن المطاف لكساد سوق الزواج نتيجة أوضاعنا الاقتصادية إلى العيش وحيدات وحدة قاتلة إلى حد الجنون، أشبه بوحدة عوانس سيبيريات في انتظار الربيع وفرسان الخيول البيضاء المجنحة. فتحزموا أيها الليبيون وانطلقوا إلى ساحات الرقص على امتداد مدن وقرى خارطة الوطن، وارقصوا كدراويش المولوية حتى تقعوا من الإعياء والتعب، علكم تنسون أوجاعكم، وظلم الزمان وضياع سنوات أعماركم البريئة الشجية، وحين تفيقون ارقصوا مجدداً، وكفاكم ندباً لحظكم العاثر وزماننا المشوه.

 تحزموا أيها الليبيون وارقصوا في حضرة جهلنا وفقرنا وتخلفنا حتى لا تموتوا من الحسرة والأسى، وارحموا أعينكم من شلالات الدموع. تحزموا وهيموا وجداً على إيقاعات بنادير حلقات ذكركم الصوفية في "حضرة" عيساوية كما كان يفعل أجدادكم وآباؤكم حين يستمد بهم الحزن والهم والغم.

 تحزموا أيها الليبيون واختاروا ما شئتم من رقصات تراثية لترقصوا على أنغام موسيقاها، لكن احذروا أن ترقصوا رقصة "الكسكا" التي يوديها الرجال في حلقات ممسكين بالعصي فلا يضمن المرء عدم نهاية الرقصة بمجزرة دموية لو رقصنا الكسكا هذه الأيام. ولنحاول أيضاً أن نبتعد عن رقصة الكشك فأيدينا استهلكت تماما في التصفيق وراء الحجالات، وخطباء مكبرات الصوت المفوهين.


* سبق نشر المقال بموقع ـ"قورينا" 25 مايو 2009م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق