الأحد، 24 أغسطس 2014

حوارا مع الروائية الليبية وفـاء البوعيسـي...حاورها: حمد المسماري

ربمـا لـم تثـر روايـة ليبيــة تسـاؤلات وردود فعـل كبيـرة ومتباينـة تجـاه كاتبهـا بمثـل مـا أثـارت الروايـة الأولـى للروائيـة الشابـة وفـاء البوعيسـي "للجــوع وجــوه أخـرى" الصادرة ضمـن منشـورات مجلـة المؤتمـر للعـام 2006 . م ووصلـت ردود الفعـل إلـى درجـة ذهـاب البعـض لاتهـام كاتبتهـا بالدعـوة للديانة المسيحيـة والإساءة للديـن الإسـلامي والذهـاب بعيـداً بتكفيـرهـا والشـروع فـي رفـع دعـاوى حسبـة ضـدهـا.. ومـن منطلـق إيضـاح كامـل الصـورة للقـراء دون الانحيـاز لوجهـات نظـر بعينهـا ،ومـن بـاب الدفـاع عـن حـريـة التعبيـر للآراء مهمـا كانـت أوجـه الخـلاف معهـا، ولمـا طـال هـذا الموضـوع مـن الأهميـة علـى صعيـد حيـاتنـا الثقافيـة ، وكذلك مـن ضبابيـة وعـدم وضـوح للرؤيـة ، نستضيـف فـي هـذه المساحـة الروائيـة والمحاميـة الشابـة "وفـاء البوعيسـي" لتـوضيح وجهـة نظـرهـا بشـأن مـا يثـار حـول روايتها المثيـرة للجـدل مـن اتهـامـات طالتهـا شخصيـاً ووصلـت لأروقـة المحاكـم، وربمـا انعكسـت على حيـاتها الخاصـة بشكـل ٍ مـا، اتهامات فـرضت أسئلـة ملحـة حـول حـريـة الكاتـب؟، ومـدى مسـؤوليته عـن نصـه ؟ حتــى ولـو كـان روايـة ولـدت مـن المخيلـة اختلفـت التفسيـرات والتاؤيلات بشـأنها، ونـود أن ننـوه هنــا أن الانفتاح علـى كـل الآراء سـوى اتفقنـا أو اختلفنا معهـا يبقـى ظاهـرة صحيـة مهمـا راء البعـض وفقـاً لتأويلاتهـم مجانبتها للصـواب.
 
"للجوع وجوه أخرى" الرواية الأولى لكِ كان لها ردود فعل كبيرة بالوسط الثقافي والشارع الليبي على حدٍ سواء, وقد استثارت الأوساط المحافظة على وجه التحديد بدرجة غير مسبوقة تجاه رواية ليبية هي الأولى في اختراقها للقوالـب التقليدية المعروفة, فهل توقعت كل هذه الضجة حولها؟
 
فاجأني كثيراً اعتبارها سيرة ذاتية من البعض, بصراحة من المضحك جداً اعتبارها كذلك, إن الرجل البسيط يستطيع أن يدرك أبعاد اعتراف محام بجرائم ما, وأنها قد تفتح عليه أبواب القضاء طالما أقر بما أرتكب علناً وفي محرر باسمه لا يستطيع التنصل منه, توقعت أن يتم استهجان أن أكتب قليلاً في الجسد, أن يتم استنكار حديثي عن المسيحية, لكن أن تعتبر سيرة ذاتية أو تبشير بالمسيحية فإنني لم أتوقع شيئاً كهذا.
 
بعض النقاد رأى في روايتك سيرة ذاتية لوفاء البوعيسي كما مر بنا في إحدى المقالات المنشورة عنك بقورينا والتي اعتبرت ما جاء في النص من مضامين إنما يمثلك أنتِ ويعكس أرائك ومفاهيمك, ففي ضوء وجهة نظر كهذه التي سادت عنك هل لنا أن نعرف رأيك بصراحة؟
 
النص النسائي يعامل بتفرقة عنصرية قاتلة, فالمتلقي الرجل يقرأه وهو محمّل باستعداد مسبق لرد فعل قوي من حيث استعمال آلية من آليات الدفاع التي تحدد له ذكوريته المتشبعة بمنطقه المهيمن, إنه باختصار وبغيرما تجنٍ يرسخ آليته الدفاعية ضد أي سرد نسائي لأنه يرى فيه تهديد كامن لتوازنه, لذا نجده يندفع في التخيل على نحو مرضي, ومن المضحك أنه لا ينتظر المرحلة الأخيرة من عملية القراءة لكي يفسر ما قرأ بل ينخرط في عملية التفسير من لحظة وقوع نظره على العنوان واسم الكاتبة, إنه حتى لا يجهد نفسه أبداً في ربط النص بسياقاته الثقافية واللسانية والاجتماعية التي أنتجته وبضرورة المراهنة على نوايا النص ، بل على كونه متحدٍ معه فقط.
 
في تنكيرك لبطلة روايتك التي لم يرد اسمها على الإطلاق هل مثّل بالمقابل تعريف لموقفك أنت من الدين والمجتمع ؟ بمعنى آخر دعيني أسألك عن سر حجب اسمها هنا, أهو للدلالة على موقفك المعارض منهما؟
 
يسعني القول أن تنكير البطلة تقنية فنية لجأتُ إليها لجعلها تعريف لمنظومة النصوص التي تواجه المجتمع الذكوري ولغته، فتعتلي من خلال تلك المنظومة مساحات رفض تلك الذكورة، والتركيز على استبدالها بتشكيل الرفض لعقدة التفوق التي تسجل في المجتمع الليبي للرجل.
 
في تنكيرها تعريف بالبنية التحتية لتنمية المرأة التي تستوجب بالأساس خلخلة أصل الاستبداد والانفتاح على إمكانات الانخراط في تفكيك ماهية ما يحيلنا على نُسخ ممجوجة لامرأة متشظية تنتظر, لا تفعل شيئاً غير الانتظار.
 
في تنكيرها وشاية بالفكر الإسلامي المتقوقع الرافض لعملها والخائف من اختلاطه بها والممعن في حجبها خلف الأوشحة السوداء التي صيرتها كشبح ينسل هارباً منه إلى ظل الجدار والاحتماء به من السير معه على نفس الرصيف.
 
هذه الرواية التي أثارت كل ذلك الجدل واللغط من حولها أعتبرها البعض صرخة في وجه المجتمع وعاداته البالية, ورأى فيها البعض الآخر خروج عن الدين باتهام صريح بدأنا نتلمسه في حوارات المثقفين وفي بعض مواقع الإنترنت, وفاء كيف تقرئين كل هذا ؟
 
ربما لأن المرأة حبيسة كل الخطابات الرمزية المتمثلة في قوة احتواء الخطاب الذكوري لها في العرف والأسطورة والدين والعادات, وفي المجتمع الليبي يسعني القول أن الخروج عن العرف يكاد يماهي الخروج عن الدين إن لم يفقه حدة, وربما لأن المجتمع الليبي لم يعتد من المرأة الحديث بكل تلك القوة عن الدين مثله وعن العادات بشكل أقسى منه, لقد اعتادها تنتظره زوجاً وممولاً لا نداً.
 
بالحقيقة إن المتابع لحياتنا الثقافية والمشهد الثقافي بليبيا سيلمس حتماً تشابهاً في وضعك الحالي مع ما تعرض له الصادق النيهوم بنهاية الستينات وكذلك كتابات المستشار الدكتور مصطفى كمال المهدوي إلا أن كونك امرأة قد يحدث فارقاً ما في رأيي فما تعليقك؟
 
إن ما تعرض له الصادق النيهوم والمستشار مصطفى المهدوي كان ينصب على عمل علمي صرف هو بالأساس إعادة قراءة وتفسير للنص القرآني أو النبوي الشريف, وقد تعرض الكاتبان إلى تقديم أرائهما الشخصية بمؤلفاتهما بعد دراسة تاريخية للنصوص موضوع البحث, وسواء اتفقت معهما أو اختلفت يبقى موضوع تكفيرهما والتهجم عليهما هو من واقع تعرضهما لنصوص مقدسة جاءت في سياق بحث علمي, أما أنا فللأسف كُفرت وهوجمت بسبب عمل أدبي يتأسس على شخوص تتحرك ضمن إطار سردي ما, وما أثار علي الشارع الليبي ليس أنني انتقدت نصاً سماوياً أو شريفاً أبديت فيه رأياً على الإطلاق بل لمجرد تناولي مسألة تغيير المعتقد , ونحن نعرف أن ثمة رأي قوي في الفقه وسنده في ذلك القرآن الكريم يمنع تبديل الدين سيما من الإسلام إلى غيره, هنا وقع الرفض, تناولي لمسألة الحديث عن تغيير المعتقد وحريته وتأطيرها في عمل روائي أدبي هو ما أثار مسألة التكفير السخيفة تلك.
 
الجانب السياسي الذي تناولته الرواية هل يمثل اتجاه الكاتبة فكرياً وإيديولوجياً أم أنه وظِف فقط لخدمة مسار النص السردي؟
 
يا عزيزي, في ليبيا أو في أي بلد عربي آخر لا تستطيع ولا يمكنك إلا أن تتعاطى السياسة, ورغماً عنا نحن معنيون بها وإن كانت هي غير معنية بنا على الإطلاق , ستطل علينا لجوجة ومقيتة ولو أقفلنا دونها الباب , وطالما تشهد ليبيا صرعة الإصلاح والترميم لعلاج تلك التركة المثقلة بالأخطاء فنحن مجبرون على خوضها والإدلاء برأينا فيها, وبالنسبة للنص فهو مفتوح على الكثير من الاحتمالات.
 
المشهد الروائي النسوي بليبيا ـ إن جاز لي التعبير ـ والمتمثل في كاتبات رائدات أمثال مرضية النعاس, شريفة القيادي , فوزية شلابي وغيرهن تمرد بنسقه نوعاً ما لكنه لم يصطدم ربما بالمجتمع أو الدين كما فعلتِ بنصكِ فربما كان لعامل الزمن دور في ذلك فهل تعتقدين أن المرحلة الحالية تحتم لحظة الصدام أو الانفجار؟
 
دعني أختلف معك قليلاً, رواية "للجوع وجوه أخرى" لا تتناول شبكة العلاقات الاجتماعية وعلاقتها بالدين في الألفية الثالثة , إنها تتحدث عن هذه الشبكة المقززة في السبعينات حتى بداية التسعينات , يعني أنها توجه خطابها لأشد تلك الفترات انغلاقا, حيث كان كل شيء عيب على المرأة, وعندما كتبت المرأة الليبية شيئاً آنئذ خضع نصها لهذه الخطابات المنضدة والتعسة وصاغها بنفس اللغة, سأتفق معك أن بعضها تميز بتمرد ما لكنه تمرد خجول يبحث عن قيمة, وعن احترام, لا عن فعل, نص "للجوع وجوه أخرى" نفس الشيء, يبحث في الماضي الليبي في عقدي السبعينات والثمانينات, إنه يعلن عن أخطاء الماضي ويطلب تجاوزها لأنها لازالت مستمرة, ولكن ربما لأنه جاء في نهاية 2006 جاء بهذه اللغة المنفردة ليعبر عن ضرورة الخلاص من ذلك الموروث القبيح من العادات الظالمة والرافضة والمثقلة بخطاب الدين والعيب.
 
يتردد في الأوساط الثقافية بليبيا أنك تواجهين قضايا بشأن التكفير والحسبة من قِبل البعض هلا حدثتنا عن مدى صحة ذلك؟
 
نعم للأسف, ثمة شكوى جنائية موجهة ضدي وضد رئيس تحرير مجلة المؤتمر التي تبنت طباعة الرواية, تتضمن توجيه تهم الإساءة لدين الدولة والتلفظ بألفاظ بذيئة, والتبشير بالمسيحية, كما تطال الشكوى أيضاً موزعي الرواية, وتلتمس من النيابة معاقبتي بأشد العقوبات مع منع الرواية ومنع إعادة طبعها وتسويقها, بالإضافة إلى ذلك هناك تلويح في وجهي الآن من أحد المحامين برفع دعوى حسبة تطالب بمنع نشر الرواية أو طباعتها من جديد, هذه الدعوى من المحتمل أن يشرع فيها على حد قول ذلك المحامي أحد المحامين السابقين في دعوى الحسبة التي رفعت ضد المستشار السابق مصطفى كمال المهدوي.
 
وعلمت مؤخرا أن ثمة من يحشد عشرات التوقيعات من أشخاص مختلفي المشارب بين أوقاف ومثقفين ومحامين للجهات المسئولة لمنع تداول الرواية.
 
هل ترين أن الجدل الذي أثير حول روايتك "للجوع وجوه أخرى" والدعاوى المزمع رفعها ضدك أو التي رفعت بالفعل تحتم عمل المثقفين على ضرورة أخذ موقف للدفاع عن حرية التعبير والإبداع؟
 
أعتقد أن على المثقف أن يتحمل مسؤوليته في الدفاع عن حقه في التعبير عن نفسه, وأنا أدافع عن حقي بقول لا لثقافة الهيمنة والتسلط والاستبداد التي يعيشها كلانا ـ أنا والرجل معاً ـ, ومن مصلحة المبدعين عموماً التلاحم واتخاذ موقف واضح تجاه حرية الإبداع.
 
دعيني أكون صريحاً معك بشأن ما أثير حول استهزاءك بالدين والذي اتجه البعض إلى اعتباره متعمداً منك وهذا ما أوقعك في مشاكل كنت بغنى عنها, فبصراحة وفاء هل تعاملت مع روايتك كمُتَخيل أما أن بها إسقاطات ما على الواقع؟
 
أولاً ليس من العدالة اعتبار حديثي عن الصلاة من أن مواقيتها متقاربة جداً وتحيلك إلى نوع من الترديد الديني الرتيب هو محض استهزاء, إنها تشير إلى استنكار فرض الأمور على الآخر بالقوة, إنها تحيي القول بوجوب إتباع الموعظة الحسنة في الإرشاد والنصح بدل الزجر , وهذا تحديداً ما جعل بطلتي تتنصر, فرض الأمور عليها بالقوة, وثانياً سأكرر أن الرواية تطرقت لا لجوهر الدين الإسلامي بل لإشكالية الخطاب الديني المتشدد الآن, الفكر الإسلامي الذي بات يستدعي البداوة من مخزونها.
 
سؤال لم أكن أود أن أطرحه عليك لكن أملته عليّ ضرورة ما بدأ يثار بشأنك الآن, ما هي علاقتك بالدين الإسلامي؟
 
الإسلام بالنسبة لي علاقة ذاتية تربط بين الفرد وخالقه, علاقة تقع داخل الإنسان لا خارجه, وفي علاقة كتلك ينتف الحق في السؤال عن إعلان موقفك منه, وأنا كمسلمة لا يشغلني ولا يعنيني في شيء إعلان علاقتي لفرد لا يمكنه ولا يستطع أن يصل إلى حدود إيماني بالله تعالى.
 
كلمة أخيرة لمن أساء فهم روايتك.
 
كانت الرواية صادمة, أقدر ذلك, وأستطيع أن أتخيل الآن حجم وسبب الرفض الذي رافقها, لكن لا بأس, اثنتان أو ثلاث أخرى منها ستجعل المجتمع الليبي يتقبلها, يناقشها ربما بقوة ولكن دون عداء أو مصادرة, وأشكركم على هذا الحوار اللطيف الذي جاء بوقته.
 

 
ملاحظــات:
• أجـري الحــوار بتــاريـخ 4 / 12 / 2007 . م
• ونشر بالعدد السادس من مجلة واعتصموا و بوابة ليبيا كاملا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق