الخميس، 10 مايو 2018

هيا بنا نبكي....

اللوحة للفنانة الليبية حميدة صقر





"إلى أرواح شباب هذا الوطن الذين قضوا في حادث الكرة المروع"

# نبكي على وطن يكاد يصبح في خبر كان بعد أن تحول إلى حلبة سيرك متجول يصول فيها المهرجون والحواة، في كرنفال فساد داعر فاق في عبثيته كل منطق أو عقل أو قانون، وصارت الكلمة واليد العلياء فيه للدخلاء المفسدين، وشذاذ الأفاق عديمي الضمير والانتماء. 

# نبكي على مواطن أصبح في حضرة مصائبه، وشقاء أيامه، لا يرى .. لا يسمع .. لا يتكلم ! كما يقول إخواننا الصينيون في حكمتهم الشهيرة. لا يرى كيف تسلب وتسرق طموحاته وأحلامه وأماله، وأيام حياته. لا يسمع كل هذا الصخب المجنون المخترق طبلتي أدنيه كصاعقة رعدية. لا يتكلم لكونه يريد أن يعود لصغاره مع المساء محملاُ بوجبة عشاء بائس لا يسد رمق جوعهم في نهاية اليوم. 

# نبكي على فتيات ليبيات رائعات، ذبن وذبلن كأزهار المساء، في سنوات انتظار طالت لفرسان الجياد البيضاء المجنحة، دون أن يدرين أنهن أضعن الطريق في غابات أيامنا السوداء، فيما فرسان أحلامهن النبلاء صار منتهى الحلم في حياتهم حافلة فيتو، ينقلون بها قطعان الغرباء ذوي الوجوه السوداء والبيضاء، والصفراء الذين غزوا بلادنا في غفلة من الزمن من جميع الأبواب والطرقات. 

# نبكي على أطفال صغار اغتلنا براءتهم، وحولناهم إلى مخلوقات مشوهة بمناهجنا التعليمية المتخلفة عن عصرها، صانعين منهم أجيال غاضبة من كل شيء ولا شيء .. غاضبة إذا أحبت .. غاضبت إذا كرهت .. غاضبة إذا بكت .. غاضبة إذا ضحكت .. أجيال فاشلة تماماً. 

# نبكي على صحة شعب يلفظ أنفاسه في سيارات الإسعاف على المعابر والحدود بين مصر، وتونس، وأطباء من أبنائنا اظهروا لنا من الشراسة واستنزاف مدخراتنا دون رحمة بعياداتهم الخاصة حقيقة أن النخبة المتعلمة في بلادنا أكثر جهلاً، ممن لا يفكون الخط .. ألم يتعلم هؤلاء الأطباء في شوارعنا وأزقتنا الترابية من عشرة ناسهم الطيبة مصطلحات مثل الرحمة، والمودة والإنسانية، ألم يحصل جلهم على شهاداتهم من كلياتنا وجامعاتنا !!! فكيف يكون حالهم علينا لو كانت هذه الشهادات من هارفارد أو كمبريدج أو أكسفورد ؟ .. فقليل من الإنسانية يا ذوو المعاطف البيضاء والسماعات، أما مهاراتكم وشطارتكم فقد خبرنا أمرها منذ زمن بعيد على معابر وبوابات الوطن. 

# على مؤسسات قطاع عام كانت عامرة بالعمل والعمال، رغم كل أخطاء السياسات الاقتصادية التي أوجدتها، فقد سترت أحوال الناس زمناً طويلاً، يتم نهبها الآن من قبل ما فيا فساد غير عابئة بمصير من فيها، مستغلة قرارات وأفكار إصلاحية كان من الممكن أن تكون الحل للخروج من عنق زجاجة مشاكلنا التي لا تنتهي لو خلصت النوايا .. فلا أحد معني بمصير الغلابة والبسطاء المقدمين الآن أمام عيون صغارهم ومستقبلهم المجهول قرابين على مذبح التقليص والعمالة الزائدة. 

# هيا بنا نبكي .. بعد أن يئسنا من كل الوعود التي لونت سماء أيامنا لعقود بأقواس قزح في انتظار مواسم الحصاد المباركة .. نبكي على الحب الذي كان .. نبكي على طيبة أمهاتنا وجداتنا وعجائز شوارعنا القديمة .. نبكي على حالنا الذي أصبح يصعب على الكافر كما يقولون .. وقلبي على مشروع الإصلاح طوق النجاة الوحيد وأنا أراه يطعن بحراب الفساد من جميع الجبهات من قبل أصوات غير واضحة.


نقلا عن موقع: جيل - 21/10/2007

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق