الأحد، 18 مارس 2018

فيروز يا قيثارة السماء ...حمد المسماري


من حلم كدفق نشيد خالد، جاءت سيدة الحب والشجن .. كصبية خجول بصوتها القادم من ملكوت رياض الرب، وقفت معنا على مفارق القرى والضياع النائمة في أحضان الجبال، وسفوح التلال منتظرة أحبابها، أو خبر عنهم من عصفور الجنائن، أو مرسال المراسيل، وفي بساتين الحب والبراءة كتبت مثلنا اسم حبيبها على الحور العتيق، وانتظرنا معها لقاء غيابنا ذات مساء صيفي على جسر القمر.

أعطني الناي وغني .. أي ناي يا فيروز .. أيامنا نعطيك ونايك أسكت كل النايات .. ولو قدر لجبران أن يسمع منك ما كتب لتوجك سيدة حديقة الأرباب وآلهة الأولمب، ولعجز أن يجد في كل أساطير بلاد الدنيا عن شبيه لروعة جلالك وحضورك المهيب.

وعندما أضعتِ شادي بكيناه معكِ، ورثينا حزن زماننا المشوه "والثلج إيجا وراح الثلج عشرين مرة إيجا وراح الثلج" ولم نتعلم من نصاع بياضه كيف نحب ونصالح أيامنا المترعة بالشقاء والحزن.

فيا فيروزنا اعذرينا إذا ما غلبنا البكاء.

أطلقنا للريح صغاراً طائراتنا الورقية فتقطعت أسلاكها على حيطان الجيران، وما وصلت الله في سماواته البعيدة بما حملناها من أسرارنا الصغيرة.

يا ست الدنيا يا فيروز .. همس لك نزار ذات صباح بيروتي، وبجذل حولنا همسه هتاف ورددناه بكل الأرجاء، لكننا غضبنا منه حين قال:

عفواً فيروز ومعذرة
أجراس العودة لن تقرع

ما همنا إن تُقرع أو لا تُقرع يا فيروز، فقد استعدنا بصوتك زهرة المدائن، وطفنا معك شوارع وأزقة القدس العتيقة .. جلنا في أروقة المعابد، عانقنا الكنائس القديمة، وبخشوع قبلنا أعتاب المساجد .. ما همنا أن تُقرع أو لا تقرع يا نزار .. يا من أشعارك في صبانا أوقعت بشباكنا حبيبتنا الأولى، فبشارة قديستنا فيروز سيأتي يوم وتتحقق، ولا يعنينا أن نكون حاضرين حينها .. فقط يكفينا أن يتردد صوتها الملائكي، وحتما سيصلنا أينما كنا في المدى المطلق.

سكن الليل، لكن في سكونه لم تختبيء أحلامنا، بل عربدة بعنف بضياء البدر وتحت عيونه شهواتنا المجنونة، وما روى ذاك العصير حرقة الأشواق ولا صدح بلبل في العتمة بين الغصون، وطوتنا في وحدة قاتلة ووحشة ليالي الشمال الحزينة المسافات .. فيا فيروزنا العظيمة اذكرينا نحن العشاق الفقراء بباب محرابك هائمين وجداً بصوتك.

شايف البحر شو كبير .. ويمتد أمام أنظارنا هذا الأزرق العظيم، فيما نقف في الصباحات الندية منتظرين قدوم أول العصافير المهاجرة ليكتب لنا على ورق صفصافة "كبر البحر وبعد السماء بحبك" فالحب كما علمتنا فيروزنا يتحد مع الأشياء والعناصر، وجمال مخلوقات الله.

وسوف نحيا وظل الورد يحيا في الشتاء، وإن لم يكن سراً يا رفيقي أن أيامنا قليلة فكما قالت لنا .. إنما الأيام بسمات طويلة .. فيا جارة الوادي طربنا وعادنا ما يشبه الأحلام من ذكراك ِ.

يا من لو نملة هتفت لمبدعها شدواً كنت ِ لشدوها عوداً.

يا من غنيتي مكة أهلاها الصيدا .. وترنمت ِ بشجن أحزان يسوع.

يا جارة القمر.

يا مجد وطن يدعى لبنان، حباه الله بصوتك الملائكي، وحضورك الآسر للقلوب.

يا من تؤنسين وحشة أيامنا وليالينا.

يا الله كم نحبك يا فيروز العظيمة يا قيثارة السماء.
05/10/2005

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق