الأربعاء، 21 مارس 2018

تعليقا على خطاب سيف الإسلام... ما بلاش نتكلم في الماضي......حمد المسماري


طوال يوم الخميس 24/7/2008 م، وإلى ما قبل الساعة السابعة مساء وربما بعدها نتيجـة التوقيت السي لمنظومتي ليبيانا والمدار، استقبلت هواتف الليبيين النقالة الخالي جلها من الرصيد إلا ما رحم ربي، ودون سابق إنذار أو توقع ذلك "المسج" السنوي الذي يعلن عن موعـد بث خطاب السيد سيف الإسلام القذافي في الفعاليات الشعبية والاجتماعية والشبابـية على تمام الساعة السابعة، وكما عبر المسج بالحرف "في لقاء الحقيقة من أجل ليبيا الجميع"، ونلاحظ أن الشباب يأتي في الخانة الثالثة هذا العام وذلك ربما لغضب السيد سيف منهم بعد عملتهم فـي خطاب العام الماضي والطريحة المعتبرة التي تلقاها الفنان العالمي الذائع الصيت "بوب غيلدوف" في كرنفال الفوضى المدمرة التي أعقبت خطابه في ذلك الحين وأظهرت جيل "ليبيـا الغـد" كجيل خائب، همجي مسعور، من العبث وغير الحكمـة المراهنة عليه في أي تقدم مأمول لهذا الوطن الذي أصبح صلاحه أحجية مستعصية على الحل رغم كون الوصفات جاهزة والأمثلة كثيرة عن شعوب ليس لديها خمس مواردنا نجحت باجتيازنا في التقدم والرقي وارتفاع دخل الفرد.

عنوان خطاب هذا العام ذكرنا بتلك المقولة التي استهلكناها زمناً طويلاً في نشرات الأخبار وأناشيد الإذاعة الليبية، ومن ثم كالعادة نسيناها وهي مقولة "الشعب سيد الجميع" ورغم عجزي حتى الآن بمعارفي المتواضعة عن فهم أن يكون الشعب سيداً وعلى من.. ؟ طالما المفترض أنه هو الجميع، إلا أنني قررت أن أتجاهل ذلك وأنتظر سماع خطاب السيد سيف الإسلام، ممنياً النفس كغيري من الليبيين البسطاء بتحقق شيء من وعود العام الماضي بشأن حل أزمة السكن، أو المركوب، أو هدية مفاجئة بمرتب زيادة ترحمنا من جحيم الأسعار ونحن على أبواب رمضان الكريم كتلك التي حصلنا عليها منذ عامين تقريباً في مفارقة غريبة لم نستوعبها إلى الآن !! وما إلى ذلك من احتياجات مشروعة أصبحت بمرتبة الحلم أو المعجزة لكل فرد من أبناء هذا الوطن الذي احترنا في فهمه رغم حبنا العميق له.

وأنا هنا لا أريد أن أحلل الخطاب مؤيداً أو معارضاً بل أريد أن أتساءل بلسان الناس العاديين عن بعض ما جاء فيه دون أية نوايا مبيتة بالقبول أو الرفض.

إطلالة السيد سيف هذه السنة كانت مختلفة وصاعقة حرمتني متعة كتابة مقالة ساخرة كالعادة من تصرفات شباب ليبيا الغد "الظرفاء" الذين تنتهي أحلامهم عند حد الحصول على حافلة فيتو أو البزنس كمقاولي أنفار بنقل الجموع لأماكن الاحتفالات.. كان الخطاب صاعقاً ومؤلماً بحديثه عن أشياء لا تحتمل سخرية من أي نوع حين تكلم عن المصالحة الوطنية كاستحقاق لابد منه في المرحلة القادمة، ومذبحة بوسليم الدامية مقدماً ربما اعترافاً صريحاً لأول مرة بوقوع تلك المجزرة، وتكلم عن الجماعات الليبية المقاتلة والأخوان المسلمين مقدماً بعض التفاصيل التي كانت محظورة، تكلم عن مقتل الشيخ البشتي في غابة مهجورة بضواحي طرابلس، عن اغتيال الصحفي ضيف الغـزال، عن اللجان الثورية وأجهزة الأمن وتجاوزاتها السابقة، عن أطفال الإيدز، عن القضاء الليبي وسنوات المحاكم الاستثنائية السيئة السمعة ومحكمة الشعب التي لم يدرها أو يحكم فيها الشعب يوماً، عن حرب تشاد وجريمتنا المميتة هناك وتناثر أشلاء أعداد هائلة من شباب هذا الوطن في رمال تلك الصحراء الحارقة دونما حتى قبور، وتذكرت وجه ابن أخي الشاب العشريني الذي ضاعت أخباره منذ سنوات طويلة بتلك الحرب اللعينة ولا نعرف له أثراً، ولم نقم له عزاء بعد.

كانت كلمات السيد سيف صاعقة وقوية وهو يرفع شعارات جديدة مثل "الحقيقة – التسامح – الشفافية"، ومهما اختلفنا معه نتفق وإياه على شيء واحد طالب به في خطابه المهم وهو "طي صفحة الماضي" ولكن يبقى السؤال كيف.. ؟ دونما ثمة إجابة مقنعة، فالجراح والآلام التي أدمت قلوب أبناء هذا الوطن طوال عقود من عمر الزمن دون ذنب حقيقي ارتكب، كانت من الفظاعة والقسوة والموت بدرجة لا يمكن أن يتصورها عقل بشري، وبالتالي أيضاً تدخلنا في استنتاج منطقي بعدم القدرة على أن يغفرها قلب بشري.

هل على الشعب الآن أن يكون طيباُ وودوداً ويغفر أخطاء جلاديه.. ؟، والغريب أن بعضهم احتل المقاعد الأمامية فيما كان السيد سيف يلقي خطابه، وكأنهم يخرجون لنا ألسنتهم قائلين "اللي درناه فيكم درناه وتوه نبو نصاحبوا ومازلنا قاعدين على قلوبكم" وكان على السيد سيف أن يدرك أن دعوته مهما كانت صادقة، سيكون لا معنى لها بوجود هؤلاء واستمرارهم بتدمير حياتنا ومستقبلنا وهو الشيء الوحيد الذي يجيدون فعله على خلفية ما رأيناه من عبقريتهم وقراراتهم الجهنمية التي حولتنا لشعب يلطف الله بحاله رغم مواردنا وخيرات أرضنا التي لا تحصى، ولكنها منهوبة.

ما تحدث عنه السيد سيف في خطابه جانبه الصواب للأسف في بعض الأحداث والوقائع ربما عذره كونه لم يعاصرها أصلاً بحكم السن، فخطر الشيوعيين والبعثيين في سبعينيات القرن الماضي مثلاً لم يكن بالصورة المضخمة التي تناولها بهم، فقد كانوا مجرد أشخاص معدودين بعضهم يحملون أفكار ماركس ولينين، وبعضهم يحمل أفكار ميشيل عفلق ولا حول ولا قوة لهم، ولا يشكلون خطراً حقيقياً من أي نوع على الوطن أو الثورة حينها، وما ارتكب بحقهم من فضائع يقشعر لها البدن لا يمكن أن يقبله عقل أو منطق، أو يترك ثمة مجالاً لنغفر لبعض الوجوه التي كانت تجلس في الصفوف الأمامية بقاعة الشعب أثناء الخطاب.

كذلك تفسير ما حدث في بوسليم على أنه مجرد استعمال مفرط للقوة، أمر يحتاج للكثير من الإيضاح ويتناقض مع ما سرده بعض الناجين من تلك المذبحة الرهيبة.

فيا سيد سيف الإسلام القذافي نحن نعرف أن يديك شخصياً غير ملوثة بدمائنا، وأن نواياك تجاهنا تبدو لنا طيبة.. لكن فلتعذرنا، حين لا نملك أن نعلق على خطابك المهم سوى بترديد أغنية شبابية لأحد المطربين شاعت ذات زمن تقول كلماتها: ما بلاش نتكلم في الماضي"...


(*) سبق نشر المقال بصحيفة قورينا بتاريخ 12 أغسطس 2008

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق