الاثنين، 26 مارس 2018

بنغازي وصيف السادة الأمناء ....حمد المسماري


فجأة ودون سابق إنذار تذكر أصحاب القرار في اللجنة الشعبية العامة وما يتبعها من لجان أمانات فرعية، أن ثمة مدينة تدعى بنغازي يجاوز عدد سكانها المليون نسمة، تتوسط جغرافياً فضاء هذا الوطن الذي احترنا في فهمه، وأصبحنا في مفارقة غريبة ندمن حبه بقدر كرهنا له.

 اللجنة الشعبية العامة حضرت لبنغازي بأمنائها وببلدوزراتها لتنفيذ قراراتها المفترض أنها سيادية دون أن تنتبه أن هذه القرارات على أرض الواقع حين تنفذ يتكشف لنا ببساطة مطلقة أنها ينقصها الكثير من الحكمة والرزانة، وهذا ما يفسر عدم اهتمام المواطن بوجودهم من عدمه في مدينتنا العجوز.

 هذا المواطن الذي يقال له أنك سيد في بلادك السعيدة، فيما هو مستعبد بصورة لا يقبلها عقل ولا منطق، مستعبد بقوت عياله الذي صار يعجز عن توفيره بكرامة وعدل. مستعبد بقانون 15 اللعين الذي حوله إلى متسول لراتب هزيل في أمانات وإدارات وشركات منهارة وسلف مصرفية لا تعرف الانتهاء. مستعبد لطبقة "برجوازية ثورية" تتحكم بمصيره، ولا يردعها عرف أو قانون. مستعبد بعدالة غائبة في بلاد حطمت الأرقام القياسية بسن وتشريع القوانين!! مستعبد بصحة منهارة. مستعبد بتعليم مهمل تحاكي مناهجه معارف العصور الوسطى. مستعبد بسلسلة أكاذيب لا نهاية لها حولت أحلامه البريئة في "إصلاح" المهندس سيف المنتظر إلى كوابيس مرعبة لمستقبل مجهول.

 أنا لا أشكك في دوافع السادة الأمناء الفاتحين للمدينة، ووطنيتهم، فالسرائر لا يعلمها سوى الله وحده، لكن أود القول أن الفساد لا يحارب بشعارات دون محتوى، برعنا لسنوات طويلة في نظمها، وسئمنا ترديدها، بل بوقفة شجاعة مع النفس وتحليل كل أخطاء سنوات الماضي دون خجل أو كذب أو زيف مفتضح.

 علينا أن نقول للمواطن أننا حرمناك من كل كرامة، وسلبنا حقوقك ومقدراتك وثروتك. علينا أن نقول له أننا سلطنا عليك أهل الثقة الذين اتضح أنهم لا ثقة ولا عهد لهم. علينا أن نقول لسكان منطقة الوحيشي وشارع سورية بعد أن منحكم العهد البائد الأرض والمسكن لم نمنحكم نحن دعاة المجتمع السعيد طوال ثلاثة عقود من عمر الزمن سوى مركز أمن داخلي ومثابات ثورية أرتكم النجوم في عز الظهر.

 علينا أن نفسر لمواطن المدينة العجوز أحجية إنجازاتنا في قطاع الصحة، بينما ما يزال يعالج أمراضه في – السبيتار الكبير – بردوشمو – الجلاء – المنجزة في العهد البائد. علينا أن نعترف لهذا المواطن بأننا سرقنا أحلامه وأماله وجعلنا حياته جحيما لا يطاق بفعالنا التي تجعل جبين الشيطان نفسه يندى عرقاً إن كان له ثمة جبين.

 عفواً أيها السادة، فنحن كمواطنين بسطاء لم نعد نصدقكم لكونكم لم تصدقونا يوما بقول أو فعل. أما محبتنا لكم فعلى قول مثلنا الشعبي الشائع "اللي في القلب في القلب يا كنيسية". هل علينا أن نذكركم بكم الوعود التي قطعتموها لنا، ولونت سماء أيامنا لبرهة بألف قوس قزح؟ أين كلامكم عن الإصلاح أيها الأمناء؟ أين وعودكم بالقروض التي نسمع عنها بالأرقام المهولة في تصريحاتكم دون أن نقابل جاراً أو صديقاً أو زميل دراسة أو عمل أو قريباً تحصل على قرض؟

 الجميع قضى أياماً في تصوير كتيب عائلته، وتكلف مبالغ مؤثرة في ميزانيته المتهالكة، وكل ما ظفروا به منكم حين تسألهم: ظهور أسمائهم في القوائم. أنا شخصياً أعيش في هذا البلد منذ 45 سنة، لم أقابل مواطناً أعرفه تحصل على قرش واحد من قروض الأحلام هذه، اللهم إلا خازوق الفيتو وسيارات الشباب التي استلموها بضعف ثمنها الأصلي، وكبلت سنوات أعمارهم القادمة بكمبيالات لا تعرف الانتهاء، أليس من العار أيها الأمناء أن يكون حلم الشاب لدينا حافلة يعمل عليها في نقل الأفارقة، وكل الملل التي غزت أرضنا وعاثت فيها فساداً بمباركتكم.

 أين الزيادات وتحسين أوضاع حال مرتباتنا البائس، ودخولنا المخجلة قياساً بأرقام مبيعات نفطنا؟ انطلى كلامكم علينا، وترقبنا الزيادات الموعودة شهراً إثر شهر، ثم اكتشفنا بأسى موجع أنكم تزمعون طرد نصفنا إلى قارعة الطريق، لتزيدوا رواتب النصف الآخر بحجة الملاك الوظيفي، الذي ضخمتموه لسنوات وسنوات قافلين كل مصادر الرزق أمام العمل الخاص المحتكر لسنوات للشركات الأمنية وأصحاب الحظ السعيد منكم. لسان حالنا اليوم يرجوكم عدم العبث بمصير مرتباتنا الهزيلة، والله الغني عن أفكاركم الجهنمية الغريبة لتحسين أوضاعنا، فلم يعد لدينا جرام ثقة بما تفكرون فيه بشأننا.

 عفواً أيها السادة الأمناء .. الحكاية لم تعد حكاية أحجام قطط أو كلاب، بل ضمير وشرف ووطنية وانتماء لتراب هذه الأرض التي كانت مباركة، ونزعتم عنها البركة! الحكاية هي أنه عليكم كمسؤولين أن تصالحونا قبل أن تحدثونا عن خطط إصلاحكم لما أفسدتموه أنتم لا الدهر.

 وأن تنجحوا في وقف نزيفنا واحتقاننا المرير، ونكون بدورنا قادرين على أن نغفر لكم ما فعلتموه بنا وبهذا البلد.
 وإلى أن يحدث ذلك، لا يتوقع المرء منكم ثمة إنجازاً من أي نوع في غزوة فتوحاتكم البنغازية هذه الأيام سوى هدم عدد من براريك رقاد الأرياح في بوعطني والرابش، وردم حفرة شارع سورية التي ستفتح فاها كالعادة مع أول أمطار الشتاء القادم.
 ألهذا قدمتم لنا مع تباشير الصيف، بعد أن فقدنا حتى نعمة غسل أدران أجسادنا في البحر؟ فشواطينا الخلابة بالنشرات السياحية، غدت ملوثة بسبب مشاريعكم العبقرية لدرجة لا تصدق.

 ونعود لموروث أمثالنا الشعبية المتشائمة مرغمين، ونردد مع جداتنا الطيبات متحسرين على حال بنغازي وأيامها "عيش بالأمناء يا كمون"، أو نكون متفائلين قليلاً إكراماً لكم أيها الأمناء ونقول "ما تقول حميدة جاء نين الباب يقول زيو".


منشور بموقع جيل ليبيا بتاريخ 24/05/2007

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق