الأربعاء، 28 مارس 2018

هيا بنا نسرق .... حمد المسماري

اللوحة للفنان الليبي عمر جهان

هيا بنا نسرق كل ما يمكن أن تطاله أيدينا من مغارة علي بابا، من كعكة هذه البلاد المزروعة على خارطة العالم تحت اسم ليبيا، غير آبهين لحرمة ذلك اللواء الأخضر المرفرف في سمائها، والذي لم يغرنا يوما لبذل قطرة دم واحدة من أجله.

 هيا بنا نسرق دون أن نشعر بذنب ارتكاب فعل يعد من خطايا السماء عبر كل الديانات والعصور.

 هيا بنا نسرق بعد أن سرقوا منا كل شيء حتى أحلامنا البسيطة البريئة المسالمة، التي حولوها إلى كوابيس مريعة مفزعة.
 هيا بنا نسرق بعد أن فقدنا بسمة الفرح الخجولة في أيامنا، وآخر ما كان في جرابنا من أشياء طيبة، بعد أن تلبدت سماوات الله فوق رؤوسنا بأسراب الغيوم السوداء الموغلة في الخوف والحزن.

 هيا بنا نسرق، ولتكن غنيمتنا كبيرة هذه المرة بحجم سنوات عمرنا الضائع في شوارع الزمن، فسارق الحب مذموم بفعلته، وسارق الحقل لا تدري به البشر. على رأي جبران خليل جبران رحمه الله.

 هيا بنا نسرق فالمجد قد صار للصوص والشطار وعلى ليبيا السلام.

 هيا بنا نسرق دون أن نخشى على معاصم أيدينا حد الله، فقد أوقف ابن الخطاب هذا الحد منذ زمن بعيد، محاذراً ببصيرته الثاقبة ألا تتحول أمة لا إله إلا الله إلى مجرد بلاد من المعوقين.

 هيا بنا نسرق بعد أن تحولنا إلى عمال سخرة أشقياء فوق تراب وطن هائل الإتساع، كنا ذات يوم نعشقه حتى الثمالة.

 أعرف أن دعوتي لكم غريبة، أشبه بدعوتكم لإرتكاب فعل فاضح في الطريق العام، ولكن مهلاً ودعونا ننظر للأمر من زاوية أخرى. فأنت أيها الموظف المكبل بقانون 15 منذ بداية ثمانينات القرن الماضي، وحتى بعد أن جاءتك قرارات الزيادات الموعودة على أشلاء نصف رفاقك، ما تزال تشقى لتجد بصعوبة وأسى لصغارك قوتكم كفاف يومكم، وكبلوا بطاقة مرتبك بعشرات الاستقطاعات والضرائب التي لا يعلم وجهتها سوى الله وحده. ما الذي تنتظره أيها الموظف لاسترجاع ما أخذ منك؟ وليسموا فعلتك هذه ما شاءوا: إختلاس، أو سرقة، فليس ثمة فرق على الإطلاق، ولن يحاسبك أحد .. أطمئن.

 وأنت أيها المدرس الصبور في مدارسنا، والذي عن جدارة يجب أن يزيحوا من كتاب "جينيس" التاريخ، إسم أيوب، ويضعوك مكانه. ما الذي تنتظره لتكفر بكل قيمك النبيلة بعد أن أصبحت إلى جانب رسالتك المقدسة بائع خضار في الفندق البلدي، وربما تخدم على برويطة، وتنقل أسراب الغرباء في أنصاف الليالي بسيارتك المتهالكة؟ ما الذي تنتظره لتسرق مستردًا ما أغتصب من كرامتك وحياتك؟ ولتحاذر أن لا يوقعك سوء طالعك بين أيديهم؟ فهم لا يرحمون البسطاء مثلك في هذا الأمر، وليعذرنا أمير الشعراء شوقي حين نحرف بيته المشهور عنك يا معلمنا ليصبح " قم للمعلم وأعطه منديلاً ".

 وأنت أيها الشاب، يا من وقعت فريسة سهلة للبطالة والمخدرات، والفراغ والملل، وتحولت سنوات حياتك المفترض أن تكون مشرقة إلى كابوس مرعب من الفشل مغلفاً بالحزن، فيما ما تزال روابطك وجمعياتك الشبابية تؤذن في مالطة معددة إنجازات الثورة لشريحتك الشقية، ما الذي تنتظره لارتكاب خطيئة السرقة، فأمل الشعوب على رقي شبابها، وأملنا أصبح في عزرائيل ليريحنا من مسؤولي أماناتنا التاريخيين الذين رأينا نحن البسطاء من عبقرية إدارتهم وقراراتهم نجوم الظهر.

هيا بنا نسرق أيها المواطن فالقانون تحول إلى عرف، وجرائمنا مهما ستكون ستحل في قعدت شيوخ قبائل انتهى زمنهم الافتراضي، يعيدوننا رغم أنوفنا إلى عصور وحكم وأمثال وضعها كل العالم في متاحف التاريخ الطبيعي إلا نحن.

 هيا بنا نسرق ثمن علبة دواء الضغط، بعد أن أصبحت هوية مواطننا بدل البطاقة الشخصية .. هيا بنا نسرق ثمن حقنة أنسولين بعد أن صرنا نشرب الشاي مشروبنا القومي بدون سكر .

 ذات مقال في ستينيات القرن الماضي كتب مفكرنا الراحل الصادق النيهوم ساخراً يدعونا لأكل لحم جيراننا وأحبابنا بعد موتهم، وأخشى أن تتحقق نبوءته بعد أن أصبح الليبيون الغلابة البسطاء لا يعرفون طعم اللحم الوطني إلا كل عيد أضحى .. وبمناسبة عيد الأضحى الغير بعيد موعده أدعو أمنائنا غير الأعزاء في اللجنة الشعبية العامة أن يرأفوا بحالنا ويعيدوا غلطتهم التاريخية في رمضان قبل الماضي، ويتكرموا علينا بعيدية مثلها فلقد غدونا كما حرافيش روايات صاحب نوبل نجيب محفوظ ننتظر فتاتهم، بعد أن خلت جيوبنا تماماً وأثقلنا بالديون من مواسم المدارس ورمضان وعيد الفطر الذي ما نزال من باب العادة ولسخرية القدر نسميه بالسعيد.


نقلا عن موقع: جيل - 19/11/2007
(نشر بزاوية الكاتب بصحيفة قورينا العدد 56)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق