السبت، 17 مارس 2018

محمـد يونــس وتوزيـع الثروة ...حمد المسماري



فـي مقالـة مميـزة زاخـرة بالمعلومـات الاقتصادية الجيـدة حملـت عنـوان "لمـاذا لا نستعيـن بمحمـد يونـس" كتبـت الأستـاذة تهـانـي دربـي عـن الفقــر فـي عـالـمنـا الصـاخـب إلـى حـد الجنـون، ومحـاولات بعـض الرجـال الأخيـار الرائعيـن فـي محاربته وانتشـال بسطـاء النـاس مـن براثنـه، متطـرقـة إلـى جهـود "بيـل غيتـس" صاحـب شركـة ميكروسـفت (للكمبيوتر) وأكبـر مؤسسـة خيـريـة فـي التاريـخ الإنسـانـي، وكذلـك "داريـن بافيـت" رئيـس شركـة بيركشاير هاثوي للتأميـن.. ثـم تناولـت التجـربـة المثيـرة والمدهشـة فـي محاربـة الفقــر للاقتصادي البنجالـي العبقـري محمـد يونـس الحائـز علـى جائـزة نـوبـل للاقتصاد، وصـاحـب بنـك (غراميـن) وكيـف بـدأت فكـرته أو نظـريتـه البسيطـة بمنـح مؤسسته قـروضاً قيمتهـا 27 دولاراً لعشـرة أشخـاص، ووصـل حجـم مـا تقرضـه للفقـراء الآن مـا يفـوق 8 مليــارات دولار، انتشلت الملاييـن فـي بلـده مـن جحيـم الفقــر، وذلـك بدعـم المشـروعات الصغـرى بقـروض بسيطـة، ومـن ثـم تطـرقـت الكاتبـة لبـلادنا والفقـر الـذي بـدأ يغـزونـا فـي مفارقـة غريبـة مـع حجـم ثروتنـا ، لتقتـرح فـي ختـام مقالهـا استعانتنا نحـن الليبيين بخبـرة العبقـريـة البنجاليـة محمـد يونـس فـي توزيـع الثـروة علـى الليبييـن إذا مـا كنـا جاديـن فعـلاً فـي هـذا الأمـر.

بصـراحـة مطلقـة أرى أن اقتـراحهـا جـاد ومفيـد وبنـاء، وأضـم صـوتـي إلـى صـوتهـا فـي هـذا الأمـر، وإن كنـت أشفـق علـى "محمـد يونـس" بعـد أن يستلمـه خبـراؤنا الجهـابـذة ودكاتـرتنـا فـي اللجنـة الشعبيـة العامـة، وجماعـة 2025  ويشككـونه حتى فـي قـدراتـه علـى فهـم نظـريـة الأوانـي المستطرقـة وهـو صاحـب الأفكـار الاقتصاديـة التـي أبهـرت العـالم.. فلدينـا خبـراء باسـم الله ما شـاء الله عجـزوا عـن رسـم سياسـة اقتصـادية ومستقبـل بـلادنا بمعطيـات غنيـة، يمكـن مـن خـلالهـا لأي صاحـب دكـان بسيـط يكـاد يفـك الخـط بالعافيـة أن يجعـل مـن ليبيـا درة أوطـان الدنيـا، فعبـث النخـب المتعلمـة النفعيـة بهـذا الوطـن بلـغ أقصـى مـداه وأوصلنـا إلـى حافـة الجنــون، وقمـة إنجـاز مخططي أمـور حيـاتنـا طـوال عقـود مـن عمـر الزمـن هـو تحـويلنـا إلـى مجتمـع جـاهـل بصـورة مخجلـة أمـام أمـة لا إلـه إلا الله، وأمـة الصليـب علـى حـدٍ سـواء، وحتـى أمـام عبـدة البقـر فـي الهنـد ، وأكلـي لحـوم القـرود والبشـر فـي أفريقيـا ، الذيـن أصبحوا أكثـر منـا فهمـاً وتحضـراً.فمـا سيحـدث هـو أن الخبيـر محمـد يونـس، سينـدهـش تمـامـا ، ويتسـاءل عـن كيـف يوجـد فـي ليبيـا فقــر أسـاسـاً حسـب أرقـام تعـداد سكانهـا، ومـواردهـا النفطيـة الهائلـة ؟ وبالطبـع لـن يعجـب تسـاؤله خبـراؤنـا الأفاضـل وسيقـولون لنـا (هـذا شـن فهمـه فـي طبيعـة مجتمعنـا الليبـي ؟).

 سيقـدمون أرقـام ميزانياتهـم المهولـة، وإنجـازاتهـم علـى الـورق، إنجـازات توجـد علـى الـورق مثـل النكتــة التـي أطلقها ميلـود العمـروني عـن (الكـوبري) لمفترض بنـاؤه. سيخفـي هـؤلاء كـل مصـائبنـا، ويقـولـون للسيـد يونـس نحــن " مجتمـع حـر سعيـد " ليـس لـديـك ما تفعلـه لدينـا، وسيصفـق الرجـل كفـاً بكـف، وهـو يـرى أننـا نحتـل المرتبـة الأولـى فـي الجهـل والتخلـف رغـم كـل مـا نملكـه مـن مـوارد كفيلـة بأن تبنـي لكـل مـواطـن فـي ليبيـا دارة أنيقـة حتـى فـوق القمـر، ومـع ذلـك لدينـا نسبـة كبيـرة مـن الشعـب تعيـش فـي (حـاويـات) خـارج مخططـات المـدن وبيـوت صفيـح، وعـاد بعضنـا إلـى عصـر الخيـام التـي هـي رمـز أصالتنـا وعـزنـا اللذيـن جـردنـا منهمـا بصـورة محـزنـة.بصـراحـة مطلقــة إذا مـا أردنـا أن نصلـح حـال هـذا الـوطـن الغـارق فـي الفسـاد والسـرقـات، وأفكـار التحـديـث الغبيـة الجهنميـة النـوايـا التـي يتحفنـا بهـا أولئك المليـونيـرات الذيـن يتقلدون المناصب العليـاء فـي مؤسساتنـا أصحـاب شهـادات الدكــتوراة التـي يعـرف معظمنـا مـاذا تعنـي وكيـف تحصـل عليهـا أغلبهـم. وإذا مـا أتـانـا العبقـريـة الاقتصـادية "محمـد يونـس" وقابـل هـؤلاء فقطعـاً سيسجـل فـي مفكـرته "أن مشكلـة ليبيـا ليـست فـي بسطـاء ناسهـا الـذيـن يحبـون وطنهـم رغـم كـل مـا يعانـونـه مـن فقـر غريب الأسبـاب، بـل فيمـن يدعـون العـلم والمعرفـة ويسـوسون أمـور حيـاة مواطنيهـا" فلنـدع الرجـل بحكمتـه وعقلـه النيـر ليفيـد العـالـم وشعـوبـه الفقيـرة المغلـوبـة علـى أمـرها، ولا داعـي لأن نسلبـه إياهما بفلسفتنـا الفارغـة ، وخـطط دكاتـرتنـا المسؤوليـن، وإذا مـا أردنـا الحـل مـن خـلالـه فعلينـا أن نوليـه أمـر اقتصـادنـا بالكامـل ونستـورد طاقـماً كـامـلاً معـه مـن المسـؤوليـن ، فلا يكفـي أن نستـورد منهـجاً سنغافـورياً لمدارسنـا دون معلميـن سنغافوريين أيضـاً.

ويبقـى اقتـراح الكاتبـة تهـانـي دربـي بنــاء ولكـن ليـس بـوجـود أمنـاء ومسـؤوليـن بلا وطنيـة ولا حـب ولا انتمـاء لتـراب هـذا البــلد العجيــب.

* سبق نشر المقال بصحيفة "قورينا" بتاريخ 24 ديسمبر 2008

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق