الجمعة، 23 مارس 2018

خنازير محلية*.....حمد المسماري



ما تزال تتصاعـد وتيـرة الأخبـار فـي الصحافـة العربيـة والعالميـة ، والنشـرات والبرامـج الإخبارية فـي الفضائيـات ، حـول مـرض " إنفلونـزا الخنازيـر " المنطلـق فيروسـه هـذه المـرة مـن ربـوع المكسيـك المجاورة لبـلد اليانكـي الولايات المتحـدة الأمريكيـة ، وقـد جـاء الدور علـى هـذا الحيـوان الـذي نحمـل لـه نحـن المسلميـن كرهـاً مقدسـاً ، بعـد أن كرسـت وسائـل الإعـلام نفـس الحملـة مـن قبـل وبنفـس السيناريـو علـى البقــر المجنـون ، والطيـور والدجـاج المصـاب بالزكـام ولندعـو الله ألا يكـون الدور القـادم علـى الخـراف سيمـا ونحـن نعشـق أكلهـا وذبحهـا والتلذذ بلحمها الوطني الشهي .ورغـم كونـي شخصيـاً كجـل مواطنينـا الكـرام فـي هـذا البلـد لـم أشاهـد فـي حياتـي خنزيـراً علـى الطبيعـة إلا مـن خـلال الصـور أو التلفزيـون ، وأعتقـد أن الغالبيـة العظمـى مـن شعبنـا مثلـي تمامـاً لـم يشاهـدوا علـى الطبيعـة هـذا المخلـوق الـذي حـرم المولـى عـز وجـل أكلـه بنـصوص قـرآنـية صـريـحة بورود اسمـه ثلاث مـرات بكتابـه العـزيـز فـي الآيات الكريمـة "173 - 3 - 115  " مـن سـور البقـرة والمائـدة والنحـل .

وحـدث أن تكفـل الوعاظ والفقهـاء عبـر عصـور تاريخنـا الإسـلامي بترسيـخ مكانـة هـذا الحيـوان البائـس فـي عقولنـا وثقافتنـا كرمـز للنجاسـة ، وكـل ما هـو كريـه رغـم أن المولـى عـز وجـل حـرم علينـا أكلـه ولـم يأمـرنا بكراهيتـه أو يحـدد لنـا مشاعـر مـن أي نـوع فـي تعاملنـا معـه !! ، ولعـل أول صـورة للخنازيـر رسخـت فـي عقـولنا حيـن كنـا أطفـالاَ مـن خـلال الرسـوم الكرتونيـة لشخصيـات ديزنـي الشهيـرة للخنازير الصغيـرة الثلاثـة ومغامراتها الطريفـة مـع الثعلـب المكـار ، والغريـب أننـا حينهـا بمشاعـرنا الطفوليـة فـي ذلـك الزمـن لـم نحمـل كراهيـة لهـذا الحيـوان معتبريـن كونـه كـأي مخلـوق مـن مخلوقـات الله فـي دنيـاه الواسعـة ، مثلمـا يحـدث الآن بتعامـل أطفالنـا مـع شخصيـات الخنازير الكرتونيـة الأحدث مثـل " بومبـا " .. ، 

الخلاصـة وبعيـداً عـن تاريـخ ثقافتنـا الخنازيريـة أو الحلوفيـة نشـأنا علـى كراهيـة هـذا الحيـوان الملعـون دنيـا وآخـرة ، وكعادتنـا دائمـاً لـم نجهـد عقولنـا بالبحـث عـن الأسبـاب الحقيقيـة لسـر هـذه اللعنة والكراهيـة ، لكـن تساؤلاتنا أخـذت تطـل علينـا بخجـل مجـدداً مـع ظهـور نـوع جـديد مـن الخنازيـر البشريـة التـي تقتـرف بحقنـا وحـق هـذا الوطـن أبشـع الجـرائـم المتجـردة مـن الإنسانيـة ، والأخـلاق والمثـل ، وترتكـب أفعـالاً تخجـل حتـى الخنازيـر الحقيقيـة مـن ممارستهـا . خنازيرنـا أيهـا السـادة محليـة المولـد والنشـأة لا تخطيهـا العيـن ، تجـدهـا فـي كـل مكـان يمكـن أن تقـودك إليـه قدمـاك المتعبتان وحظـك العاثـر ، وبالأخـص فـي ممـرات مؤسسات الدولـة المختلفـة ، وجلهـم ممسك بمسبحـة مذهبـة يداعبهـا بأصابعـه ويحمـل لقــب الحـاج ، وبنفـس الوقـت رصيـد حساباتـه السريـة وغيـر السريـة يدخـل خانــة المليـارات فـي البنـوك عبـر العالـم ، فخاصيـة نهـب ثـروة الليبييـن هـي العلامـة الموحـدة لجميـع خنازيرنـا فـي جميـع القطاعـات المتعلقـة بحياتنــا .ولكـون ليبيـا تحولـت إلـى بـلاد تغطـي أرضهـا القمامـة ، وتطيـر فـي أجوائهـا الحشـرات وأكيـاس النايلـون ، لـذا كـان لابـد لقمامتنـا مـن خنازيـرها المحليـة ، وحيـث أننـا والحمـد لله مسلمـون لا نأكل لحـم الخنزيـر أوجـدنـا بطريقتنـا خنازيرنـا الخاصـة لكننـا لـم ننتبـه إلـى أن عزوفنـا عـن أكلهـا مكنهـا مـن أن تأكلنـا هـي بشراهـة وخسـرنا معركتنـا معهـا كعادتنـا دائمـا .

مئـات وربمـا آلاف المشاريـع غيـر المكتملـة عبـر الوطـن التهمـت خنازيـرنا البشريـة ميزانيـاتهـا ببرودة دم فاقـت بلادة خنـزيـر حقيقـي ، والغريـب أن نكتشـف أنـه ليـس هنـاك مـن يحاسـبها فالخنازيـر تطوقنـا مـن كـل الجوانـب ، ولا يمكننـا أن نطمـح بحـال مـن الأحـوال وقـوفهـا مـع قضايانـا العادلـة .يحـزننـي أن أكتـب أن الخنـازيـر حيـوانـات نتنــة لا يطيـب لهـا العيـش إلا وسـط القاذورات ، وأننـا غــدونـا أنسـب بيئـــة لوجـودهـا علـى خارطـة أرض الله الواسعـة .خنازيـرنـا مقيتـة تركـب أرقـى موديلات السيـارات الأمريكية والأوروبية ، متضمخـة بعطـور باريسيـة عجـزت أن تخفـي رائحتهـا الفظيعـة .وإذا ما كانـت خنازيـر المكسيـك قــد فضلـت الأنفلونـزا لتأديـب بنـي البشـر ، فلـو كـان الأمـر بيـد خنازيرنا المحليـة لفضلت غـزو الكون بمـرض نسميـه نحـن الليبيـين فـي لهجتنا الدارجـة "  بوحبلـة " .  

_____________________
(*) سبق لي نشر هذا المقال في صحيفة "قورينا" / بنغازي 2009-05-17



_____________________
(*) سبق لي نشر هذا المقال في صحيفة "قورينا" / بنغازي 2009-05-17

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق