الأحد، 18 مارس 2018

أذهاب شيرة ...حمد المسماري

لوحة للفنان الليبي محمود الحاسي

ليس ثمة أناس على وجه البسيطة يتفوقون في قلة الحيلة والعبث، وعدم صوابية وسداد الرأي مثلنا نحن الليبيين، فنحن وبلهجتنا العامية الدارجة "شعب مذهوبة شيرته" على الدوام.. فليس هنالك سبب واحد مقنع لتفسير معاناتنا الحياتية المستمرة سوى هذه الجملة العجائزية، فكل يوم برأيي أسوأ من الذي قبله .فنحن بلاد لم يبخل الله عليها بنعمه من ذهب أسود وخلافه، لكن للأسف بنفس الوقت ابتلاها بمؤسسات ومسؤولين لا يمكن للمرء أن يأتمنهم على إدارة دكان بقالة صغيرة لا وطن مترامي الأطراف بحجم ليبيا.. ابتلاها بمؤسسات قانونية ذات إسهال فظيع قي سن القوانين والتشريعات لا تطبق عقوباتها سوى على راقد الريح و"قليل الوالي" من سارقي الموبايلات وبطاريات السيارات، والصحافيين، وغير معنية بسارقي الملايين والمليارات.. ابتلاها بمؤسسات أمنية نشطة فقط في الجانب السياسي، فيما البلاد صارت منطقة عبور لتجارة المخدرات عبر العالم، والفساد طال كل شيء حتى أخلاق الشعب.. بلاد ابتلاها الله بجهابذة فكر متفلسفين على كل شيء، ويجيبونك على كل الأسئلة الممكنة وغير الممكنة، لكنهم لا يجيبونك عن سؤال: كيف أصبحنا شعباً لم يعد يملك ذرة فكر واحدة، وحياته ماشية بالبركة ودعاء الوالدين ؟ وصار هذا الشعب يعتقد أن البركة في حد ذاتها "حبة" يمكن أن يقتنيها من أي صيدلية أو سوبر ماركت، دون أن ينتبه أن ما يحدث له وبعيداً عن إجابات متفلسفيه ومنظريه لا يمكن تفسيره سوى كونه مجرد غضب والدين على ما يبدو.
 
آن لنا أن ندرك أننا نعيش محن حقيقية ونسوس وندير أمورنا بجهل وغباء منقطعي النظير، فلم يعرف تاريخ البشرية عبر العصور شعباً ما يزال يعتقد وهو في الألفية الثالثة أنه بإمكانه هزيمة أعدائه بمجرد الدعاء عليهم في كل صلاة.
 
آن لنا أن ندرك بأن كل شيء في حياتنا صار مراً بطعم العلقم بعد أن فقدنا حاستي الشم والتذوق، وحتى النظر بعيون مفتوحة لكل مصائبنا الكارثية حتى لا يسوءنا مراها كما نصحنا حكمانا.
 
آن لنا أن ندرك ببساطة أن الجهل والتخلف على جميع الصعد في كل ما يتعلق بأمور حياتنا أصبحا هويتنا المخجلة أمام أمة لا إله إلا الله. آن لنا أن ندرك أن منظومة الفساد الذي طال حتى أخلاقنا صارت تحكم الطوق تماماً على مقدرات هذا البلد وشعبه.
 
آن لنا أن ندرك أننا واهمون وليس كما تصفنا شعاراتنا التهريجية الغبية ومنشدو أناشيدنا الحماسية بالإذاعات الليبية. آن لنا ألا نتعصب بحماس مضحك لكل ما لا يعنينا ونتعامل ببرود مع شؤننا الخاصة وكأنها لا تعنينا على طريقة المعزين الذين كفروا بينما أهل الميت صبروا.
 
آن لنا أن نقتنع بعجزنا وقلة حيلتنا، وقبل كل هذا وذاك أن نعترف أمام أنفسنا دون خجل أننا مجرد شعب" مذهوبة شيرته.
 

سبق نشر المقال بصحيفـة قورينا بتاريخ 20 يناير 2009م.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق